كان عُمْر ابني شهوراً حين جلست مع زوجات زملاء زوجي من العرب في بلاد غربتنا ذات يوم، وقلتُ لهن في معرض الحديث: أنا لا أربّي ابني ليكون ابناً صالحاً فقط، أريده أن يكبر كابن صالح ومواطن صالح، وزوج صالح، وأب صالح، ومهنيّ صالح.. فأولادنا الذكور سيكبرون ليصبحوا إما مصدر سعادة امرأة ما، أو جالب تعاسة لها.
تقلق إحدانا عندما يلعب ابنها بالدُّمى مع البنات، أو عندما يصرّ على اقتناء لعبة المطبخ؛ لأننا نخشى من تأثير ذلك على رجولته في المستقبل!
لماذا نقول إن البنت تتدرب على الأمومة، ونستنكر ذلك على الولد؟ لماذا نخاف من قبول طلب أطفالنا الذكور لبعض الألعاب المصنفة للبنات؟
إننا نمارس عملياً تعليم الأدوار الاجتماعية لأطفالنا بدون مراجعات، وبدون وعيّ منا، وسبق أن منعت ابني من شراء عدة مطبخ، وبدلاً منها اشتريت له لعبة سوبر ماركت! وهذا لم يسعده كثيراً في الواقع.
ربما حان الوقت لعدم إجبار أطفالنا على سلوك طريق ما، وتغيير أساليبنا؛ لأن الواقع مريع جداً، فالفتاة في مجتمعاتنا عندما تتزوج؛ غالباً ما تصبح الأسئلة التي تشغل بالها ما يلي:
كيف تُسعدين زوجك؟
كيف تجعلين زوجك أسيرك؟
وعندما تنجب، تصبح الأسئلة الوجودية عندها ملخّصة في:
كيف تربين طفلك؟
كيف تعلمين ابنك منزلياً؟
وبعد سنوات، وحين تشعر بالفتور الزوجي، تقلق ويكون السؤال القديم والدائم: هل يخونني زوجي؟
كيف تكشفين خيانة زوجك لك؟
قد تبدو هذه الأسئلة تافهة وعديمة القيمة، غير أن المرأة عموماً تتلقى تربية تكرّسها كمشروع زوجة وأم، ولا يوجهها أحد في طفولتها لاكتشاف كينونتها كإنسان له طموحه واهتماماته، يعلمون الفتاة منذ نعومة أظفارها أن اهتمامها بذاتها أنانية، وأن منح الأولوية لنفسها يهدم صورة الأم المضحية بنفسها من أجل أطفالها، وبسبب هذه التنشئة تكون الغيرية مقدمة على الذات لدى المرأة.
وعلى العكس من ذلك، يتلقى الشاب تربية تغرس فيه الذاتية الشديدة، فيهتم بنفسه وبتطويرها والارتقاء بها، وكلّ ما عدا ذلك ياتي لاحقاً؛ لذلك، لن نجد غالباً كاتباً عنوانه كيف تجعل زوجتك سعيدة! ولن نجد على رفوف المكاتب كتيبات من تأليف رجال يحدثوننا عن دور الرجل في السعادة الزوجية، وكيف ستشعر الزوجات بالملل وينطفئن إذا غاب دور الرجل.
نحن السيدات كائنات ينبغي عليهن مراجعة مكانتهن في الكون، والتوقف عن تبادل السرديات الغبية، وطرح الأسئلة التافهة؛ لأن النصائح التي تحمل الإجابات على أسئلتنا صاغها رجال، أو نساء يعانين عقدة النقص تجاه الرجال، من تلك القضايا التافهة التي شغلونا بها، ظهور سيدات مناديات بفتح باب التعدد أمام الأزواج، وكأن ذلك بيد النساء مثلاً، وكأن الأزواج يستأذنون من الزوجات في هذا الخصوص. والأنكى ظهور الدّين والشريعة سلاحاً في ساحة الجدل حول تلك القضايا التافهة. وفي المقابل، لا نجد سيدات يجرُؤن على فتح قضايا التعنيف ومصادرة راتب المرأة العاملة، والحرمان من الميراث.
وعلى ذكر سيرة حرمان المرأة من الميراث، دعونا نستذكر موقف الرجال وصراخهم عند مساواة ميراث الجنسَين في تونس، وحمل شعارات الشريعة والحفاظ على حدود الله، حدود الله التي لا نحبها نتجاوزها براحة ضمير، كحرمان المرأة من الميراث، والزواج الإجباري، والإضرار بالزوجة لإرغامها على التنازل عن حقوقها مقابل الزواج… هنا الشريعة شيء مزعج ينبغي تجاوُزه سريعاً، لما أنه لا يرضي الرجال.
في ظل هذا الميزان الاجتماعي المبني على التربية وتوزيع الأدوار بين الجنسين، نلاحظ أنه غير عادل إطلاقاً، فكل ما هو لصالح الرجل يُجنَّد له رجال ونساء، مشايخ وعلماء دين، وحتى نشطاء، وكل ما هو في صالح المرأة، فهو منفيٌّ إلى الهامش، ويمكن التبرير له برفع شعار الشريعة.
ليس صحيحاً مقولة: (ماذا ينفع تعليمها، آخرتها للزواج والطبخ والنفخ!)، وإلا فما مصير الرجل؟
هل نقول: (ما فائدة تعليمه، آخرته للزواج والإنفاق على امرأة وعيال؟!).
الزواج الذي تُعد له فتياتنا هو فخ للقهر، لا عش للحب والكرامة، طالما بقي أولادنا بلا إعداد للحياة الزوجية، مثل بناتنا، وذلك ما لا أتمناه لابنتي!
تم نشر هذا المقال في موقع ميم
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.