يشعل ثورات ويهز أنظمة.. عن أثر الفراشة وما يفعله

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/05 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/05 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
Green world in hand on white background

طالما سمعنا عن أثر الفراشة، فرفرة من جناحها في أقصى المشرق يمكن أن تولد إعصاراً في أقصى المغرب. وهو تعبير يستخدم عادة لوصف وتفسير إمكانية أن تؤذن أعمال صغيرة -لا نعبأ بها- بتحوّلات ضخمة لا يتوقعها أحد.

لم تعد الفراشة خرافة نُصَبر بها أنفسنا، فقد رأيناها منذ سنوات تتبعها أعاصير الثورات، فتجسدت أحلام كانت تبدو مستحيلة. وحين يبدو الواقع أكبر من قدراتنا، حينها كل ما نحتاج إليه فراشة، أن نؤمن بأعمالنا الصغيرة، وبإمكانية أن تحدث اختراقاً لهذا الواقع الذي يبدو عصيّاً على الاختراق، أو نتهيّأ لهدايا الظروف التي تمنحنا فرصاً جديدة لاستئناف المسير.

نحن محاطون بملايين الاحتمالات لوجود الشرنقات، المهم أن نتحسس مواضع أقدامنا قبل أن ندهسها تحت زعم أنها لا تنتمي مباشرة إلى مشروع التغيير.

تتعلق الأبصار بأي فراشة ترفرف بجناحيها، لعلها تكون فراشتنا المنتظرة، لكننا في نفس الوقت قد نقتل الفراشات في شرانقها قبل أن تنطلق، عندما نريدها تنتمي لمشروعنا بالكامل وتعبّر عنه، فنسخر ممن يطلقون مبادرات وأعمالاً جزئية باعتبارهم جبنوا عن حمل مشروع التغيير كاملاً بكل تبعاته، أو أنهم لا ينتمون إليه بصلة مباشرة، كمن ينشغلون بأعمال الخير، أو الاحتجاجات الجزئية على قوانين وممارسات سياسية واجتماعية، وليس على صلب النظام الفاسد.

فلنقترب أكثر من الفراشات ونحاول التعرف على طبيعتها، فلها أسلوبها الخاص في اختراق الواقع، وليس لها صيغة واحدة في الظهور، فألوانها كثيرة ومدى طيرانها متفاوت.

هناك فراشات تنفذ من خلال موقف، وعمرها الزمني قصير، فإما أن تُحدث أثراً أو تخفت، فصفعة على وجه البوعزيزي زلزلت منطقة بأكملها، لن ندخل في جدل هل الفراشة هنا كانت الشرطية أم البوعزيزي أم كان تحالف فراشات؟ هو في النهاية موقف عادي في العالم العربي، لكنه صنع أحداثاً استثنائية.

وكأن الفراشة تبحث عن نقطة ضعف لدى النظام، وتستفز حاجة عند الناس، لكنها كذلك لا تبالغ في التعبير عن نفسها متجاوزة كونها مجرد موقف يرقب ردود الفعل، فهي حدث لم يذهب إلى نهاياته بعد، وكأنها تبحث عن كلمة تقدح الخيال، وتترك للشعب والقوى الفاعلة فيه كتابة القصيدة.

الفراشة هنا لا تأخذ صورة المشروع الكامل في الغالب؛ لأنها عبارة عن موقف أو حدث قد يكون شخصياً بامتياز، لكن إن تم التفاعل الجزئي معه بشكل صحيح، سيفتح قابلية توليد المزيد من الأحداث.

وهناك فراشات تنفذ إلى الواقع بإضافة متغير جديد في المعادلة، وعمرها طويل نسبياً حتى تُحدث أثرها، مثل ابتكار وسائل التواصل الاجتماعي، سنجدها فكرة بسيطة في عقل صاحبها كانت تخدم وسطاً اجتماعياً محدوداً، ثم ذهبت إلى أبعد مما كان يتخيل مبتكرها في تحرير التواصل في العالم، هو عمل من أعمال تنمية المجتمع، لكن بداخله قابلية لتوليد آلاف الأحداث الاستثنائية حتى لو لم يتعمدها مبتكرها. هو نموذج آخر لفراشة هي في حد ذاتها لا تقول أي شيء، لكن يمكن أن يتولد منها كل شيء. إن كان بيننا هل كنا سنتركه في حاله لينجز عمله، أم نتهمه أنه لا يحمل المشروع الكامل للتغيير؟! ولعلنا نسخر منه.. هذه ليست فراشة، مجرد حشرة زرقاء!!

وقد تكون الفراشة ظرفاً أو حدثاً يفوق إمكاناتنا، كوفاة زعيم، أو كوارث طبيعية تؤذن بسلسلة من التحولات. ولو تأملنا لوجدنا أصنافاً أخرى كالفراشات العملاقة التي تكون واضحة جداً، مثل الأحداث صارخة الوضوح، أو الصغيرة التي قد لا نراها، ولكنها تنخر في الواقع دون أن نشعر.

ما يجمعها أن الفراشات تأخذ صورة حدث أو موقف أو متغير يتميز بأنه مفتوح على المستقبل، من حيث قابلية توليد أحداث أكبر، وعادة تأتي الفراشة من حيث لا نحتسب، ولو فكرت بطريقتنا لما ذهبت أبعد مما وصلنا إليه.

نحن لا نعرف أين توجد الشرنقات التي ستخرج منها الفراشات، قد تكون في هذه السوق، أو ذلك المخبز، أو تلك الجامعة، أو الشارع، أو تُصنع صناعة بين أحضان ذلك المبتكر في معمله، قد تكون في كتاب ملهم أو فيلم محفز، قد تكون تلك المرأة الكادحة التي لا تلقي لها بالاً في الشارع، أو ذلك الطفل الذي يلعب ببراءة قبل أن تتحول قصته غداً إلى لحظة ميلاد الفراشة.

الفراشة تعيش في الطبيعة من أسبوع إلى سنة بحسب نوعها؛ لذلك إن كنا نرى في أنفسنا فراشات فيجدر بنا أن نتجاوز فكرة الفراشة المعمرة.

نحن محاطون بملايين الاحتمالات لوجود الشرنقات، المهم أن نتحسس مواضع أقدامنا قبل أن ندهسها تحت زعم أنها لا تنتمي مباشرة إلى مشروع التغيير، أو أنها لم تتحرك للمبادئ التي تَحركنا من أجلها وإنما لأسباب شخصية. ربما تتغير نظرتنا إن أجبنا على سؤال: هل لديها قابلية لتوليد أحداث أكبر أم لا؟ فلا يعقل أن نطرح سؤالاً واحداً على كل من حولنا، هناك من يُطرح عليهم سؤال المشروع المشترك، وآخرون سؤال الفراشة.

نحن أنفسنا نجسد احتمالات وجود الشرنقات ما عملنا بجد في مجالاتنا، سواء أخذت الطابع المباشر في التغيير أو غير المباشر.

المهم أن ننتبه، فالفراشة تعيش في الطبيعة من أسبوع إلى سنة بحسب نوعها؛ لذلك إن كنا نرى في أنفسنا فراشات فيجدر بنا أن نتجاوز فكرة الفراشة المعمرة، ولا نكون ممن يقضي عمره في نفس العمل غير المنتج حتى يشيب شعره، ثم تسأله ماذا تفعل؟! فيجيب بفخر: "مشروع فراشة"!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
وائل عادل
مهتم بعلوم وفنون التغيير السياسي
تحميل المزيد