اختلفتُ مع زوجي في كل شيء ولم نتفق إلا عليك.. سلام عليك عرّابنا

عدد القراءات
1,548
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/05 الساعة 13:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/05 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش

استيقظتُ صباحاً وأنا أنتظر مقالك الذي ستخفّف فيه عنا صدمة موتك، أقرأ كلماتك وأنتشي وأتعجب من قُدرتك على معرفة ما يجول داخلي، ومهارتك في التعبير عنه، سأقوم بمشاركة المقال على الفيسبوك مع اقتباس سطرين أثارا إعجابي، ستراودني كثيراً فكرة أن أرسل إليك بريداً إلكترونياً فحواه أنني جدُّ معجبة بك، وأنني أتمنى أن أصير كاتبة، أصرف الفكرة بعيداً… فمن أنا حتى أتخيل نفسي أتحدث إلى العرّاب؟!

شربتُ كوب القهوة، وضغطت زر تشغيل جهاز الكمبيوتر فوجدتهم يحملونك.. يصلّون عليك.. يبكونك.. يلتفّون حول نعشك بدموعهم وقلوبهم ونظراتهم التي تصرخ "انتظر مهلاً… لا تذهب الآن"، لا تذهب أيها العرّاب نحن نحتاجك، نحتاج إلى "أحد الكبار"، نرتمي في أحضانك ونبكي ونشتكي من بؤس الحياة، ونشرح لك كم هي كريهة وبغيضة، ولا بطل فيها سوى الحزن والأسى، مات فارس الأحلام ومات البطل الخارق، والفتاة الجميلة، وقصة الكفاح الناجحة، ماتوا جميعا ولم يبقَ سوى الألم، وما طبّب آلامنا سواك!

أنت فقط مَن داوَى جميع الجروح، أنت الذي لم تهتز ولم تتغير ولم تُدمر نفسك أمامنا بنفاق أو تزييف، لم نرَك على شاشة التلفاز كثيراً فقد كنت مشغولاً بنا، نِعمَ الأب الروحي أنت.. نِعمَ العرّاب… عرّابنا الجليل.

نسير خلف نعشك الجميل، جميل كما كان قلبك وصدقك ونقاء أفكارك، نسير صامتين مطأطِئي الرأس، نمسك بحبل خيالي يمتد من صندوقك الخشبي، نحاول أن نشدك إلينا، ولكنك تشد نفسك إلى مصيرك، إلى العالم الأفضل، الذي ستتحقق فيه أحلامك المؤجلة والأمنيات التي لم تتحقق، نحن نثق بأنك لم ترغب في تركنا، ولكن قدر الله لا يترك أحداً، لقد تعبتَ أيها العرّاب كما تعبنا نحن أيضاً، لقد أرهقتك الحياة وأرهقتنا، تعب قلبك من كثرة الصدمات فقرر أن يستريح، انتابك شعور المقصّر طوال الوقت، ولكنك طوال الوقت كنت الوافي الموّفي المؤدي لكل واجباتك ونوافلك.

هل تعلم بأنك رجل غريب الأطوار؟!

اخترت تخصصاً غريباً في مهنة الطب "طب المناطق الحارة"، واخترت شعبة أكثر غرابة في الأدب لم يعتدها القارئ العربي "الرعب والفانتازيا"، وعندما كبر قرّاؤك كبرتَ معهم فكتبتَ الروايات والقصص القصيرة وصرنا ننتظر بشغف مقالك الأسبوعي على مواقع الشباب المختلفة والمتعددة، كنت مؤمناً بنا دائماً، وكنا الأكثر إيماناً بك عرّابنا العظيم.

من الطريف أنني عندما تعرفتُ على زوجي كنا مختلفين تماماً، مختلفين في مجال الدراسة، في نوعية الأفلام التي نحبها، الموسيقى، الاهتمامات، الميول، الأفكار، في طريقة تناولنا للمشاكل وحتى نوع الكتب التي نقرأها، ولكننا اتفقنا عليك، اتفقنا على شغفنا بك، على سلاسل "ما وراء الطبيعة" و"فانتازيا" و"سفاري"، كنتَ أنتَ الكتاب الوحيد الذي نشتريه فيقرأه كلانا، كنتَ أنتَ الموضوع الوحيد الذي نتبادل فيه أطراف الحديث دون أن يتحدث أحدنا ويصمت الآخر.

منذ خبر وفاتك، ونحن نرثيك، ولكن في الحقيقة نرثي أنفسنا، نحاول أن نُسكّن الجرح الذي خلّفته وراءك، جميعنا نبكيك، المسلم والمسيحي والليبرالي والسلفي والملحد والمؤمن، الدعاة والشيوخ يبكونك على صفحاتهم، أتذكر يا سيدي مسرحية "عزازيل" التي أخرجها وكتبها الكاتب الشاب "أحمد صبري غباشي" وأنا أعد تقريراً عنها، كيف كنتَ تحضر عروضها وكيف كانت ناجحة جداً بهؤلاء الشباب الذين دعمتهم بابتسامتك وانبهارك بهم! كيف كتبتَ عنهم وعن إبداعهم وترويضهم لرواية بهذا الوزن وجعلها مسرحية بهذا الإبداع! أتذكرك وأتذكر الكاتب صاحب الرواية المشهور وهو يدمر كل شيء ويوقف عرضها!

أتذكرك أيضاً، وأنت تنتقد نفس الكاتب لخوضه في شخصيات إسلامية وتاريخية كأمثال صلاح الدين الأيوبي، كنتَ مهذباً جداً ودبلوماسياً جداً، حتى إنني كنتُ غاضبة من شدة هدوئك، كنتُ أريدك لاذعاً شديداً تضرب كالسوط، ولكنك العرّاب وما فعلته لا يليق إلا بالعرّاب.

لم أُفوّت لك كتاباً طيلة سنواتي في الجامعة، أمرّ على مكتبة الشروق في ميدان طلعت حرب كلما تسلمت مصروفي، أتفحص الكتب فأجد كتاباً جديداً لك فأشتريه دون تفكير وأنهيه في المترو أو تحت البطانية أو على طاولة وحيدة في "جروبي"، لا يشاركني فيها سوى كلماتك.

ندين لك بالكثير.. ندين لك بالشغف الذي زرعته داخلنا، بالثقافة التي زودتنا بها، بتخبط الأنفس الذي هدّأت منه، ندين لك بكل لحظة سعادة بعد إنهاء كتاب من كتبك… ندين لك ولا نعرف كيف نرد الدين.

ربما علينا أن نكتب!

على أبنائك الذين أحبوك وامتهنوا الكتابة أن يكتبوا، وألا يتوقفوا، فالتوقف خذلانا لك، على أحد أن يكمل المسير، مع أننا لو اجتمعنا جميعاً ما سددنا ثغرة من الثغرات التي تركتها خلفك، ولكن لا بد أن نثبت أننا هنا كما كنتَ تثبت لنا أننا هنا.

من العجيب يا عرّابنا العزيز أنك لم تكن تثبت نفسك.. ولم تكن تُظهر نفسك.. ولكنك كنتَ تثبتنا وكنتَ تظهرنا نحن!

سلام عليك في الأوّلين والآخرين.. سلام عليك أيها الطبيب الكاتب الحالم.. سلام على روحك التي صعدت حرة سعيدة.. سلام على كل كلمة كتبتها وكل كلمة كنت تنوي كتابتها.. سلام عليك حد البكاء والضحك والسعادة والحزن.. سلام عليك من كل دراويشك.. سلام عليك حيث ما حللت وسكنت ورقدت.

سلام عليك عرّابنا.. سلام عليك أحمد خالد توفيق.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
العصماء محمد
خريجة صحافة وتلفزيون
تحميل المزيد