مسلسلات +16 وممنوع مشاهدة الأطفال.. أين ذهبت دراما العائلة؟

عدد القراءات
507
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/04 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش

على دقات الساعة الثامنة، يترك كل صاحب شغل ما يشغله، يتحلّق الجميع حول التلفاز في موعد اجتماعي يومي مقدّس، إنه مسلسل الثامنة على القناة المصرية، إحدى القناتين المتاحتين اللتين تُقدمان محتوى تشاهده مصر كلها، صغيرها وكبيرها، لا أحد يتخلف عن المتابعة تقريباً، لكن ما ميز مسلسل الثامنة عن غيره هو الدفء العائلي المصاحب له.

وكأنما المسلسل احتفاء أو مكافأة لمرور يوم عمل أو دراسة آخر بسلام، ربما هي ساعة يسرقها أفراد البيت الواحد للتجمّع والسمر، الضحك أحياناً، والبكاء أحياناً أخرى، المحتوى نفسه كان محتوى لجميع أفراد البيت بلا إقصاء، محتوى لا يخشى عليه من الصغير ولا يُغرب الكبير ويُقصيه ويُشعره أنه خارج إطار الزمن.

أذكر حبي الطفولي لمسلسل "ساكن قصادي"، الذي اعتبرته مسلسلي المفضّل حينها لدرجة أني سمّيت دميتي "أنيسة"، وهو اسم إحدى بطلات المسلسل، كنت أصغر من أن أفهم المحتوى، وكل ما أعرفه أنه مسلسل يُضحك الكبار لا أكثر، من فترة قصيرة أُعيد عرض المسلسل على إحدى الفضائيات، فتابعته من باب الحنين إلى الطفولة، ولكن ما فاجأني حقاً هو المحتوى الهادف البسيط المضحك بلا إسفاف، تناقش كل حلقة مشكلة مجتمعية وتحاول سبر أغوارها وتفكيكها وحلها، يفشل الأبطال في غالب الأحيان في حل المشكلة في ظل الفساد المتفشي في المحليات، وانتشار الرشوة، وغياب الرقابة، وترهّل الجهاز الإداري للدولة، لكن على الأقل تسلّط الضوء على مشاكل حقيقية.

تمس أحداث المسلسل مشاكل المواطن الحقيقية، يرى فيها صراعه اليومي الدائم مع بيروقراطية الحكومة وتعنّتها وغباء الجهاز الإداري وعرَجه، في حين أن المسلسل يمكن تصنيفه على أنه كوميديا بالأساس، لكنها كوميديا لا تسخر من فئة تضحك من أحوالنا السيئة، ولكنها لا تضحك علينا أو تسفّه عقولنا أو ترمي لنا بمحتوى رديء بحجة الضحك، وللعجب المسلسل لا يحتوي على أية ألفاظ نابية بغرض الإضحاك!

من فترة قريبة سلّط الضوء على مسلسل بعينه بحجة أن "الدراما العائلية تعود" وبعيداً عن اللغط الذي طال المسلسل وتراشق الاتهامات بين أنه يُشيع الفاحشة أو يجسد واقع الحال، وكل هذا لا يعنيني في مقامنا هذا كل ما يعنيني تلك الـ+16 التي علت الشاشة طوال عرض المسلسل، كيف تعود الدراما العائلية وهي تُقصي وتستثني مَن هم دون السادسة عشرة؟ أي عائلة هذه؟! هل يتوجب عليَّ التخلص من أطفالي أو أبناء إخوتي أو إخوتي الصغار لأشاهد مسلسلاً عائلياً؟!

هل يتوجب عليَّ فرض رقابة دائمة على أكثر وسائل الترفيه شيوعاً وسطوةً لأضمن ما يتسرب إلى أطفالي، وإن كانت تلك الأعمال تجسّد حقيقة المجتمع بشكل حيادي تماماً؟ فهل كان مجتمع "ساكن قصادي" وجيله من المسلسلات العائلية مجتمعاً فاضلاً خالياً من المشاكل الأخلاقية أم أن الدراما حينها رأت أن على عاتقها تقديم حلول لتلك المشكلات أو نقدها وتفنيدها؟

إن كنت تظن أنه كان مجتمعاً فاضلاً بحق فيكفيك مشاهدة أفلام تلك المرحلة؛ لتدرك أن كل ما في الأمر أن رقابة أكثر فرضت على التلفاز باعتباره جهازاً بقلب كل بيت، فيجب أن يتناسب محتواه مع الأعراف الأسرية، وذلك قبل أن تنتشر بالطبع ثقافة "مش عاجبك اقلب المحطة".

حتى بغض النظر عن المحتوى في الحالتين، كانت المسلسلات القديمة ذات طابع دافئ حميمي لمجتمع مترابط متماسك تضح علاقات أفراده، فـ"ساكن قصادي" يحكي علاقة الجار بجاره، ذلك الجار الذي يعتبر بيت جاره بيتاً ثانياً له يشغله أمره، ويهتم له، ويعتني به، ويحفظ غيبته.

أما الدراما الحالية فتسيطر عليها العلاقات العاطفية بالمقام الأول والخيانات الزوجية، فقلّما يخلو مسلسل من رجل يخون زوجته أو العكس، فضلاً عن الألفاظ الخارجة والمشاهد غير المقبولة، والكوميديا شديدة العنصرية التي تضحكنا على الأشخاص لا على المواقف، فالسمين مضحك تتطلب سِمنته إلقاء النكات والإفّيهات، والأسمر كذلك والبنت قليلة الجمال كذلك، تستخدم تلك الإفيهات السخيفة في التنمر والسخرية على السمين والسمراء والفتيات في الواقع؛ لأنها أضحكت المشاهد، فلا بأس أن نضحك بها الأصحاب والمارة كذلك.

لم نعد نفتقد الجلسة العائلية فحسب، نفتقد ما نجتمع عليه أيضاً، نفتقد أن نرى مشاكلنا وهمومنا العادية اليومية مجسدة على الشاشة، نفتقد تجسيد الطبقة المتوسطة وأن لا نرى قصوراً فارهة أو عششاً في أكثر المناطق عشوائية، نفتقد أن نجتمع لرؤية محتوى لا يخجلنا، ولا يثير حفيظتنا ولا يُقلقنا على أبنائنا، ولا نضطر لتغيير المحطة بين حين وحين لتجاوُز بعض المشاهد، نريد دراما تحترم روح العائلة، وتعيد اجتماعها ووحدتها، بدلاً من النظر كل مرة إلى + كم من العمر هذه المرة.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

منة التلاوي
صحفية ومُترجمة مصرية
تحميل المزيد