جعل الشباب يقرأون.. وداعاً أيها العرّاب

عدد القراءات
680
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/04 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش

الموت، هو الحقيقة المؤكدة في حياتنا بالتأكيد، لا شيء يمكنه أن يمنعها من الحدوث، فلكل أجلٍ كتاب، وهذا قدر الله. لكن بعض الأحداث لا يمكن تقبُّلها بسهولة، ليس نقصاً في إيماننا، ولكن لصعوبتها على قلوبنا. ومن هذه الأحداث بالتأكيد، وفاة معلّم هذا الجيل وعرّابه، الدكتور والأديب أحمد خالد توفيق.

بدأت رحلتي مع العرّاب بسلسلة "ما وراء الطبيعة" لبطلها "رفعت إسماعيل"، وهي السلسلة الأحب إلى قلبي من بين كل ما قرأتُه في عالم الكتب، لدرجة أنني قرأتها أكثر من مرة، رغم تجاوز أعدادها الـ80 عدداً.

أُحب هذا الرجل كثيراً فقرأت له أغلب ما كتبه، ولكل قصة أو مقال حكاية مختلفة في داخلي، فأثره في قلبي باقٍ إلى الأبد.

أقول: هذه ليست حكايتي وحدي؛ بل أومن كذلك بأنها حكاية كل من قرأ لهذا الرجل، يعرفه كأبٍ له وصديق حميم ومعلّم، ساهم في تكوين فكره منذ الطفولة وحتى الآن.

 

رفعت إسماعيل.. البطل الذي يشبِهنا

دائماً ما تُصدّر لنا الروايات والأفلام نسخة البطل الخارق، صاحب الإمكانات التي لا مثيل لها على الإطلاق، فيخافه الأشرار نتيجة لذلك، نسخة اعتادها الجميع، لا سيّما مثلاً من قرأ سلسلة "رجل المستحيل" كنموذج مصري.

لكن سلسلة "ما وراء الطبيعة" غيّرت هذا المفهوم للأبد، فقدمت لنا نسخة البطل الذي لا يملك أي موهبة تقريباً، سوى النحس الذي يدفعه إلى الوجود في الأماكن الخاطئة دوماً، والسخرية التي تجعله قادراً على التعامل مع المواقف الصعبة، هذا البطل هو صديقنا رفعت إسماعيل.

هذه النسخة جعلتنا ندرك أنّك لا تحتاج إلى قدرات خارقة لتكون بطل حياتك؛ بل يكفيك الإيمان بذاتك مهما كان فيها من العيوب؛ لأنّك أنت في النهاية بما تملكه، وهذا كل ما تحتاج إليه يا صديقي.

كلّما شعرت بأنكّ غريب عن هذا العالم، يكفيك الرجوع إلى هذه السلسلة، رغم كونها قصصاً خيالية في أساسها عن حوادث خارقة للطبيعة، لكنّك ستشعر بمدى التشابه بينك وبين رفعت إسماعيل، ذلك البطل الذي نعامله على أنّه شخصٌ حقيقيٌ في حياتنا، وهو كذلك في اعتقادي.

أتذكر عندما قرأت العدد الأخير من السلسلة ووفاة رفعت، وكيف بكينا جميعنا لرحيله عنّا، فكتبت مقالاً في الذكرى السنوية لتاريخ وفاته وأرسلته إلى العرّاب، جاءني ردُّه ليخبرني: "رقيقة جداً، تسلم إيدك. تصور أنني شعرت بمدى الجرم الذي ارتكبته بمقتل رفعت! لكن، بصراحة، لو لم يمت لما ظفر بمقال جميل كهذا، لقد تصرفت بالشكل الصحيح. شكراً لك".

تلك الرسالة جعلتني أشعر بمقدار لا يمكن تصوُّره من الفرحة والفخر، معلّمي أجابني ويقول لي هذا الكلام، أنا الليلة أسعد شخص في هذا الكوكب.

 

وفاة العرّاب.. فقدٌ شخصي!

واليوم أنا حزين، لا أتحدث عن وفاة شخصية مجتمعية ومشهورة فقط؛ بل هو فقدٌ شخصي بالكامل، هذا الرجل كان قريباً منّا جميعاً على المستوى الشخصي، ولكل فرد من محبيه حكايته الخاصة مع العرّاب، ويمكنه أن يؤكد هذا الأمر. والآن أنا أشعر بالضياع لأنني فقدت والدي وناصحي في الحياة.

لم ألتقِه وجهاً لوجه، لكنني أعرفه جيداً، أحفظ ملامحه وكلماته عن ظهر قلب كما يقولون، في كل مرحلة من حياتي يظهر العرّاب كأهم أبطالها، يساهم في تكوين فكري حتى أنضج وأنتقل إلى المرحلة التالية، يملأ قلبي بالأمل، فهو ضمن قلة من الناس نجحوا في الحفاظ على إنسانيتهم للنهاية، فجعلنا ندرك أن لنا صوتاً في المعركة، وأن كلمة الحق أحق أن تُتَّبع ولو كنت بمفردك في الحياة.

كلما بدأت التفكير في اقتباسٍ معين أفضله عن العرّاب، أجد أن القائمة تمتد لتشمل العديد والعديد من كلماته، هذا الرجل ترك لنا إرثاً حقيقياً من الأفكار والمشاعر التي ستلازمنا طوال حياتنا، هذا الرجل هو أمل جيلنا ومُلهمه الذي عرفناه بالصدق دائماً، وجعلنا ندرك القيمة الحقيقية للأثر. يكفيك أن ترى جنازته وتقرأ كلمات أحبَّتِه، ستعرف وقتها حقاً من هو أحمد خالد توفيق الذي نحبه، وسنظل نذكر له دائماً أنّه أول من آمن بالشباب وبقدرتهم على صناعة التغيير في هذا الوطن، وأنّ كل ما نحتاج إليه هو الفرصة، فجاءت كلماته لتفعل ذلك وتخبرنا بأنّه يمكننا تحقيق ذاتنا في هذا المجتمع، وأنّ علينا أن نؤمن بأنفسنا طوال الوقت.

"أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري (جعل الشباب يقرأون)". صدقت الطلب يا معلمنا، واليوم تتحقق لك هذه الأمنية، وداعاً يا ملهمنا.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
معاذ يوسف
كاتب مصري
تحميل المزيد