بساطة التحضيرات والجميع مدعوون.. عندما حضرت زفافاً على الطريقة الأمازيغية

عدد القراءات
510
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/04 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش

ألو.. حوِّل

هنا أمزميز ونواحيها، هنا قرية ذُكرت في خرائط الرّحالة القدماء على أنها مدينة فرحوا لدخولها وابتهجوا لمعمارها، هنا توقف الزمن في الخمسينات، هنا عنوان النسيان، هنا سألت ابن عمتي عما يروج من سلع أو "أشنو كيتمشى؟"، كما نقول بالعامية المغربية فأجاب من دون ابتسام: الناس، ولتمضية الوقت هنا والتسلية لا يوجد غير الناس، وهنا حضرت لأعراس عديدة لا أعرف حتى اسم العروس فيها.

 

التكافل

أنا فتاة من المدينة، ازددت وترعرعت بالعاصمة الاقتصادية، لكن بطريقة ما استطاع والدي زرع حب هذه الأرض في قلبنا وفخر الانتماء لها، لذا أقدّم نفسي دوماً على أنني أمازيغية بجذور عراقية، يذوب فيّ كل ما ينتسب للمدينة فور وضع رِجلي هنا، ما عدا اللغة، فعربيتي طاغية بفرنسية تسطو على الكلام من دون استئذان، أما أمازيغيتي فمعاقة  وتحتاج لإعادة التأهيل، لكن عائق اللغة لا يوجد هنا، يوجد دوماً شخص ما يتبنّى الفتاة التي لا تعرف الأمازيغية إلا لِماماً، ويوجد دوماً مَن يتطوع لدور المترجم؛ لذا لم أجد أي مُشكل بعد أن تمّت دعوتي للأعراس، ثم الحياة هنا بسيطة والتواصل من شيم البسطاء، والتكافل أيضاً.

في العادة، يحضر للعرس قبل أشهر، فالعروسان يغرقان بين إيجاد منسّق الأغاني المناسب والمزيّنة ومموّن الحفلات.. كومة التفاصيل إياها.. أما هنا فكل ما يحضر هو عقد الزواج وكل التفاصيل يقوم بها أهل القبيلة.

حضرت لهذا المنظر بـ"تنيرت" قبيلة جبلية على بُعد 40 كلم من أمزميز على ما أظن، مستوى التكافل هنا لا يضاهى، تتكفل نسوة القبيلة بالطبخ والرجال بالغناء والشابات بالرقص ونقش الحناء، لكن فيما يتعلق بالـmake up المشكل وارد وابنة المدينة المدعوة "أنا" ظهرت لهم كالحل الأنسب، لا يعرفون أنني ترعرعت كالصبي ولا أخوات لي، ولم أضع يوماً يدي في شعر فتاة.

لكن -الحمد لله- أنني أشاهد دوماً فيديوهات الـmake up وتسريحات الشعر لصديقات مدوّنات وآخرين مشاهير؛ لأنني في اليوم الذي كتب لي أن أمشّط شعر فتاتين كانتا عروسين وغضبت منّي الثالثة؛ لأنني لم أبقَ لأسبوع آخر حتى أزيّنها هي الأخرى بعد أن أعجبت بموهبتي الخفيّة في تزيين العرائس.

تتكرر الأعراس هنا كل ليلة ولا تحتاج لدعوة، ما عليك سوى التأنق والجلوس لمائدة الطعام؛ لتأكل عشاءك وهو دوماً عبارة عن وجبتين؛ وجبة دجاج متبوعة بوجبة من لحم البقر الذي ذُبح يوماً قبل العرس، بعد الأكل ينتقل الكل للساحة؛ حيث يرقص الرجال رقصة أحواش، قبل أن تنضم لهم النساء في آخر الحفل، وفي الساحة يظهر جلياً التباين بين الحضور، فهناك ثلاث فئات من المدعوين؛ الأكثر تأنقاً، تجد فوق رؤوسهم زينة أمازيغية، أو أنهم يلبسون كل ما أُوتوا من حُليّ ذهبية أو مزيفة، وهؤلاء هم أصحاب العرس، يتبعهم المتأنقون (عادي يعني).

ثم تأتي الفئة التي أنتمي إليها، أي الأشخاص الذين لم يتم توجيه دعوة مباشرة لهم، بل قدموا مع أحد معارف أهل العروس أو مع صديقة، نتجول بجلاليبنا أو عباءاتنا، ونشارك الفرحة من غير تكلف، المدعوون بالمئات، وتعداد السكان هنا 1500 نسمة، وعدد حضور كل عرس 1200 مدعو، والكل يأكل ويشرب ويرقص بقدرة قادر ودون تسجيل أي حادثة أو شجار، ثم لا يمكن لأي من سكان القبيلة ألا يكون ضمن المدعوين، وألا يشارك الناس فرحتهم وإلا نُظر له باستهجان.

كحيطان المنازل الصخرية القديمة الموجودة هنا، التي لم يعرف الحديد والإسمنت والطوب طريقاً لها إلا في السنين الثلاث الأخيرة؛ حيث بدأ الشباب بالتنافس على إعادة بناء بيوتهم، ما زالت طقوس الفرحة الحجرية مصونة، وطقوس الأعراس تتكرر كما تتكرر الأفراح في الصيف كل ليلة، يوم لنقش الحناء، ويوم لذبح الأضحية وتقسيمها، ويوم العرس الذي ينطلق على الساعة الثانية، ولا ينتهي إلا ببزوغ شمس اليوم الموالي، وإيصال العروس لبيت زوجها.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعيدة سعدون
صحفية مغربية
تحميل المزيد