كلٌّ منا يبدأ حياته بفكرة، ولأن الأفكار تتجمع بمجرى القلب لتكون المشاعر وتجد أناساً تحركهم مشاعرهم، بل ويجعلونها سلوكاً دائماً، ومن ذاك السلوك يكره وعليه يحب، وربما تكون فكرته خاطئة وبُني عليها مشاعر سلبية كانت أو إيجابية، فالأساس غير صالح، وهو الذي بُنيَ بفكرة.
وإننا حينما نريد أن نغيّر سلوكاً أو معتقداً، علينا أن نفهم أولاً من أين أتى بأفكاره وكيف استسقاها؛ لأن أفكاره تلك هي سبب ذاك السلوك سلبياً كان أو إيجابياً.
وحينها نقوم بتعديل الفكرة، ومن ثم ستتعدل المشاعر وعليها سيتعدل السلوك أو المعتقد.
ولحالنا هنا عبرة، فكثيرٌ منا يفهم خطأً بأن الخيانة تكون فقط بالجسد، والخيانة الزوجية يكون الزوج المسؤول وحده عنها.. إلخ، بعض الأفكار الخاطئة التي اختلطت بعقول الكثير، ولأنني استقبلت الكثير والكثير من الرسائل عن الخيانة، يسألون عنها وعن سببها وعلاجها.
وعليه سأحدد عشر نقاط قادمة نتحدث فيها عن الخيانة، ولْنختمها عن طرق الوقاية؛ لنتفادى السقوط في بئر الخيانة العميقة.
1- فهم الخيانة "كيف تكون الخيانة؟":
في الماضي كان مفهوماً أن الخيانة هي الاتصال الجسدي، ونظراً لتطور الحياة ودخول التكنولوجيا، فإنه تطور أيضاً مفهوم الخيانة وطرقها، وكذلك مدلولاتها، فقد تطورت إلى أن وصلت الخيانة إلى الكلمة، قد تحمل فكرة ذات مضمون عاطفي أو جنسي، وذلك عبر أي صِلة كانت، سواء بمراسلات بريدية مكتوبة أو نصية عبر الهواتف، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتلك أولى خطوات الخيانة.
تصحيح الفهم:
الكثير يفهم خطأً أن أول أسباب الخيانة هو الرغبة الجنسية عند الرجل، والاحتياج عند المرأة، ويفهم أيضاً خطأً أن الرجل الخائن سليم الصحة الجنسية، وربما يكون لديه رغبة جنسية أعلى، في حين أن هذه الأفكار جميعها خاطئة، والصحيح هو: أنه ليس الدافع الأساسي للرجل هو الجنس، والمفاجأة أكثر؛ حيث إن مَن يخون يعاني من ضعف جنسي، فيخون اعتقاداً منه بأنه مع زوجته لا يستطيع أن يثار، أو يخرج كل ما لديه من شهوة جنسية، ولهذا يلجأ لامرأة أخرى ليبحث عن شهوته لديها، أو ربما يلجأ للشذوذ، معتقداً أن شهوته في هذا، وقد ذكرت كثير من الدراسات أن أضعف الأسباب للخيانة هو الرغبة الجنسية عند الرجل.
2- مَن يبدأ بالخيانة؟ ومَن المسؤول؟!
ذكر الدكتور عبدالله بن ناصر في المجلد الكامل للإرشاد الأسري، الصادر عن مكتب الملك فهد، طبعة عام 2008، أن هناك الكثير من الدراسات والأبحاث قامت بها بعض المراكز العربية تثبت أن الخيانات تبدأ بالرجل، فالرجل هو مَن يبدأ بفعل الخيانة، ولكن المسؤول عنها هي المرأة.
فالخيانة عند الرجل متمثلة بالجنس، أما عند المرأة فتبدأ بالفكرة، ومن ثَم المشاعر، ثم تنتهي بالجسد.
3- سيكولوجية الخائن/ المغدور:
أولاً: سيكولوجية الخائن
نُخطئ حين أن نضع الخائن في وضع هو ليس فيه، حينما نعتقد أن الخائن لا إحساس له، ويستمتع بالخيانة، بل الحقيقة على عكس ذلك؛ حيث إن نفسيته وحالته أتعس من المغدور، فإن كان المغدور يشعر بأنه بريء، والكل يتعاطف معه، فإن الخائن يشعر بأنه خسيس، والكل ينظر له نظرة خسّة وندالة لما فعل، ولهذا يبدأ الخائن بتصيّد واختلاق العيوب في شريك حياته؛ ليخفف عن نفسه الشعور بالذنب.
ننظر للخائن على أن نزوته تجعله فوق السحاب، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإن نشوة الخيانة سرعان ما تنطفئ؛ ليأتي بعدها أزمات نفسية بينه وبين نفسه، وبينه وبين علاقاته بالطرف الثاني من الخيانة.
ثانياً: سيكولوجية المغدور به
ما أصعب تلك اللحظة التي تنفجر فيها مشاعر المغدور، سواء كان رجلاً أو امرأة، وفجأة يكتشف أنه كان يعيش وهماً اسمه التلقائية والأمان مع إنسان يثق فيه كل الثقة، ومن ثم يكتشف أنه مخدوع فيه طيلة فترة علاقته به، وأول شيء يحدث هو يلخصها بكلمة "معقولة؟!"، وفجأة يسترجع حياته معه كشريط سريع يمر بمخيلته فجأة؛ ليبحث عن نفسه داخل هذا الشريط أين كان من كل هذا؟!
مراحل اكتشاف الخيانة
1- لماذا يخون الخائن؟!
لأن الخيانة واقع موجود في الحياة، ومن ينكرها لا يعيش مع نسل الإنس على الإطلاق، فالخيانة خيانة على حد سواء، ولكنها عند الرجل أهون حينما يخون، فليس فيه اختلاط أنساب، ولكن عند المرأة، فالمرأة تخون بكلمة وتنتهي بجسدها، وهذا أيضاً مما جُبلت عليه المجتمعات ككل، وهي للأسباب تلك:
1- في المراهقة حينما يدخل الولد في علاقة يطلق عليه المجتمع "مُجرّب"، في حين يطلق المجتمع على البنت "ساقطة"، فتربى الولد على أنه حامل عيبه كحامل كأس الانتصار، وبهذا ارتبط ارتباطاً شرطياً بأنه في حالة الخيانة يكون كالفائز.
2- قِلّة الوازع الديني عند الخائن (حتى لو صلّى ولو صام).
3- عدم الثقة في نفسه.
4- عدم اقتناعه بالمستوى الجمالي لشريك حياته.
5- قلة اهتمام شريك حياته به أو عدم منحه الاهتمام بالشكل الذي يطلبه.
6- عدم إشباعه جنسياً مما يجعل هناك خللاً فيبدأ شريك الحياة باستكمال النقص من الخارج.
7- ربما يكون هناك عجز جنسي عند الرجل يجعله يخون ليبحث عن المتعة مع أخرى، فأكثر الذكور الخائنين ضعفاء جنسياً، حسب آخر ما ذكرته أبحاث جامعة بوسطن الأميركية وبحث ماجستير في كلية العلوم الإنسانية بجامعة القديس يوسف ببيروت.
علامات الخيانة:
علامات كشف الخيانة لكل من الطرفين تكون ظاهرة وجلية، ولكن يغفل عنها شريك الحياة المغدور للأسف؛ لأنه منَح الثقة التامة للخائن، ولم يتطرق إلى ذهنه أن تلك الخيانة ستأتي من مرجع الأمان والحماية، سواء كان الخائن الرجل أو من مثال الشرف والطهر، سواء كان الخائن المرأة، وتلك العلامات الجلية هي:
1- تكرار التبرير بالعمل.
2- تغييرات في العلاقة الجنسية مع شريك الحياة (طريقة الشهوة وبعدها).
3- استغلال المال بإغداقه على شريك الحياة حتى يُرضي ضميره بأنه يعوّض الخيانة لشريك حياته.
4- يسرع الخائن باتخاذ صراعات الأبناء سبباً للهروب من البيت.
5- تغيير من خلال الاهتمام الزائد بالشكل والهندام لجذب الاهتمام.
6- تغيير في السلوك المجتمعي؛ حيث يصطحب شريك حياته في أماكن جديدة لم يكن يعرفها من قبل.
7- تغيير في الجو العاطفي للعلاقة مع شريك الحياة، بمعنى أنه إذا كان منفتحاً بعلاقته مع شريك حياته بالحديث يبدأ يُغيّر طريقته في التعامل.
8- عدم الرضا الزوجي وكشف أخطاء شريك حياته باستمرار.
وقت الصدمة:
ذكرت الكاتبة ماتساكيز في كتابها "I CAN'T GET OVER IT" أن صدمة الخيانة تعادل أكبر الصدمات النفسية التي تمر على الإنسان بحياته، وتعادل تلك الصدمة حرباً أو كارثة خطيرة، وأن العلاقة الزوجية بالذات متفردة بمنظور خاص، فشعارها الأساسي هو (الثقة والأمانة – والاستقرار والعهد – والاطمئنان هو أساس نجاح العلاقة)، كل هذه الشعارات تنهار لحظة اكتشاف الخيانة في الوهلة الأولى، لحظة الصدمة الفعلية يكون رد فعل المغدور متطابقاً وقت الصدمة، وهو "الذهول" متبوعاً بكلمة متطابقة "معقول؟!"، ولكن لكل شيء مراحل، وللصدمة كالموت حزنهما، يبدأ كبيراً ثم يصغر مع الوقت، ومراحل الصدمة هي:
1- الإنكار: فبعد الذهول والمفاجأة من المغدور يبدأ الخائن بالإنكار كأولى الوسائل الدفاعية.
2- الاضطراب: في هذه الحالة تظهر حالات عدم الشعور بالأمان، سواء كان تجاه نفسه كمغدور أو تجاه علاقته الزوجية ومظاهرها:
– ثورة غاضبة أو انهيار بالسلوك.
– لا مبالاة مفتعلة مقابل انكسار الذات.
– إهانة وهنا يشعر المغدور بأنه مَهين، ويبدأ هو بالتستر على الأمر حتى لا يُهين ذاته هو وليس الخائن.
– عدم أمان، ومن هنا يبدأ إما بالاستسلام أو بالمبادرة بالخلع أو الطلاق أو لو كان رجلاً يبدأ فعلاً ولا ينتظر شيئاً.
علاج الخيانة:
الخيانة ستكتشف عاجلاً أم آجلاً ومهما كان الخائن حريصاً كل الحرص، إلا أنه سيكتشف، وعلى المرأة حينما تكتشف الخيانة أن تعلم جيداً أن ما يهمها في الأساس هو الزوج، والزوج فقط اهتمامها الأول، وعلى هذا نبدأ بالعلاج للمشكلة بالخطوات التالية:
1- مواجهة الخائن بفعلته بعد أن تكون واثقة تمام الثقة من الخيانة، وتكون الأدلة مادية بحتة (صوت، فيديو، رسائل، صور).
2- خلال جمع أو اكتشاف أدلة الخيانة لا تتفاعل الزوجة مع الخائنة.
3- لا تُدخلي عنصراً غريباً بينكما مبكراً حتى لا تتسع الفجوة.
4- أعدّي نفسك لحظة المواجهة وتذكري أنك على حق وهو بموقف مخزٍ ولا تستسلمي لانفعالك وتنهاري تحت أي حال واستمري بقوتك.
5- لا تتوقعي اعتراف الخائن، فالتبرير الحل الأمثل عنده.
6- توقيت المواجهة اختاري أن تكوني فيه هادئة الأعصاب وألا يكون الأولاد بالبيت.
7- الحوار بعد تجاوز المواجهة، وردود الفعل لا بد أن تكون بعقلانية لتحديد أسباب الخيانة من وجهة نظر الخائن، ووضع حلول لعلاجها.
8- ربما يحتاج الحال لعلاج نفسي إذا كان الخائن في حالة عقلانية ويعترف بالأمر، فالأمر يحتاج لعلاج نفسي أكثر من أنه يحتاج لهروب.
9- في رفض الزوج الحوار، لا بد من تدخّل طرف ثالث في الحوار يكون من الأهل أو الأصدقاء أو مرشداً أسرياً؛ لإيقاف نزيف الأسرة وحل هذه المشكلة وعلاجها، كل حالة حسب علاجها.
10 – الحل الأصعب هو الطلاق، وهذا إذا تكررت الخيانة وصاحَبَها ضرر نفسي أو عضوي للزوجة.
الوقاية من الخيانة:
1- ملء النقص العاطفي باستمرار، والوقوف عليه لعلاج الخلل أولاً بأول.
2- الاجتماع والتواصل الأسري الحقيقي هو من أهم الحلول، وعليه يتم استكشاف أي بادرة للخيانة ونبدأ بالعلاج الفوري.
3- الخيانة ليس سببها الأصلي الجنس، ولكن ربما عدم التقدير.
4- على الرجل الاهتمام بزوجته وإملاء كأسها العاطفية، ولا يجعلها خالية يملؤها غيره.
5- على المرأة الاهتمام بالإعجاب الدائم بزوجها وإبداء ذلك الأمر جلياً، والاستشهاد الدائم بالمواقف بأنه الرجل الذي كانت تتمناه طوال عمرها ولا ترى غيره.
6- نهر الحب المتواصل مع الزوجين هو الحل الأهم والأمثل بين الزوجين، فيجب دائماً الاستمرار في تروية النهر وعدم التنازل لغيرهما ليصب به فكره حتى لا يتعكر صفو النهر.
وأخيراً..
إن الخيانة ككسر زجاج أو شرخه وأثرها سيدوم، والمرأة هي الوحيدة التي بيدها الحل في هذا الأمر، إما أن تصفح فيقدر الرجل ولا يقترب من الخيانة مجدداً، أو تنكسر المرأة فيكون بقرارها هدم البيت، سواء كانت قد وافقت على الاستمرار مع عدم تقدير الخائن لها.
ـــــــــــــــــــــــــ
* المراجع:
1- ملف الخيانة والخائن – د. فوزية الدريع.
2- الغيرة والخيانة – د. عادل صادق.
3- المشكلات الأسرية – د. طارق الحبيب.
4- مرجع الإرشاد الأسري (ج2) – د. عبدالله الناصر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.