كيف تختلف محاضرات تيدكس عن التنمية البشرية

عدد القراءات
905
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/01 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/02 الساعة 06:11 بتوقيت غرينتش

في السنوات الأخيرة، ظهر نقد شديد لواحد من المفاهيم التي شاع انتشارها في مجتمعاتنا، ألا وهو مفهوم "التنمية البشرية"، باعتبار أنها كمن يبيع الناس الهواء ف حقائب، ثم يطالبهم بالثمن. فالتنمية البشرية، حسب المفهوم الشائع عنها لدى الناس تقدم كلاماً فقط، لا يرتبط بالواقع بأي حال من الأحوال، ولا يمكن تحويله إلى أفعال واضحة.

ثم إنّها أصبحت وسيلة لكسب المال، فتجد أنّ المحاضرين في هذا المجال يحصلون على أموالٍ كثيرة، ويسافرون إلى مدن متعددة لعرض ما لديهم من كلمات، في مقابل مبالغ كبيرة، والأمر لا يقتصر على المحاضرات فقط؛ بل وصل أيضاً إلى الكتب، فهناك من يكتب في هذه المجالات ويحقق مبيعات وربحاً عالياً من هذه الكتب.

حسناً، هل تعتقد أنت ذلك أيضاً مثل هؤلاء؟ فاسمح لي بأن أطرح سؤالاً هاماً: إذاً، ما الفارق بين هذه المحاضرات وتلك التي يتم عرضها في محاضرات تيدكس؟ فنحن نرى أن ما يتم عرضه في محاضرات تيدكس يُلهمنا كثيراً، ويساعدنا في حياتنا لاحقاً؛ بل إن حياة البعض تتغير عند الاستماع إلى هذه المحاضرات، رغم أن الكلام ذاته يتكرر في بعض الأحيان مع محاضرات التنمية البشرية.

محاضرات التيدكس، لا تطالبك بأن تقلد المتحدث؛ لأنه ببساطة يحدثك عن تجربته التى مر بها، فهذا يلعب دوراً تنويرياً في حياتك أكثر من كونه يمنحك خطوات لتسير عليها.

اسمح لي بأن أجيبك عن هذه الأسئلة، وأن أطرح الاختلافات بين الاثنين:

1- محاضرات التيدكس، نحن نعرف أنها مبنيّة في أساسها على تجربة حقيقية، فالشخص الذي يتحدث عن النجاح رغم الصعوبات، هو بالفعل شخص حاول أن يفعل ذلك في واقعه حتى تمكن من تحقيق ما يريد، ثم خرج يخبرنا عمّا حدث معه.

2- محاضرات التنمية البشرية التي تخبرك عن النجاح، قد يكون الشخص الذي يحدثك هو نفسه لم يعانِ أي شيء حتى يصل إلى موقعه الذي يحدثك منه، ويتعامل مع الأمر على أنه وسيلة لتحقيق المال فقط، فهو لم يختبر ذلك النجاح بالمفهوم الذي يذكره.

3- محاضرات التيدكس، لا تطالبك بأن تقلّد المتحدث؛ لأنه ببساطة يحدثك عن تجربته التي مر بها، فهذا يلعب دوراً تنويرياً في حياتك، أكثر من كونه يمنحك خطوات لتسير عليها.

4- محاضرات التنمية البشرية تخبرك بخطوات يظنها المتحدث هي اللازمة للنجاح، ويظل يردد على مسامعك أن المشكلة دائماً في شخصيتك أنت، فأنت الذي يعجز عن النجاح، لا أن الكلام هو الذي لا يناسب الواقع، أو أنّ هناك دائماً فوارق بين الشخصيات يجب الانتباه إليها.

فتكون النتيجة في الكثير من الأحيان أن الشخص عندما يصطدم بالواقع، يدرك أن المشكلة في ذاته هو بالفعل لا فيمن سحره بالكلمات الوهمية. هل يعني ذلك أنني أختلف تماماً مع مفهوم التنمية البشرية؟ في الواقع، إجابتي ستكون مختلفة نوعاً ما؛ لأنني سأطرح منها سؤالاً آخر وهو: ما هو مفهوم التنمية البشرية بالتحديد؟ طوال السنوات الماضية كنت أبحث عمّن يخبرني بمفهوم واضح عن التنمية البشرية، فالمصطلح في ذاته لا يعني شيئاً سيئاً على الإطلاق، فالباحث عن اللفظ في المعاجم أو بالحياة، سيجد أن لفظ "التنمية" يشير دائماً إلى تغييرات إيجابية.

إذاً، فالخلل هو فيمن يستغل هذا الاسم في الترويج لشيءٍ يريده هو؛ إمّا لتحقيق مال أو شهرة أو خلافه؛ لأن اللعب على احتياجات النفس البشرية هو الأكثر ذكاءً في رأيي، فهناك من سيستجيب للأمر بلا شك؛ لكونه يبحث عن الأفضل لنفسه في الحياة، ويعتقد أن الحل في الاستماع إلى هؤلاء.          

ومن ثم، فأنا لا أتّخذ موقفاً عدائياً من التحفيز أو الكلمات التشجيعية؛ بل إنني أرى أنها شيء ضروري جداً في حياتنا، وأننا جميعاً نحتاج إليها، فقط يجب أن يحدث ذلك في إطار سليم. والدليل على ذلك هو الأثر الإيجابي من محاضرات تيدكس في حياتنا. فقط، كل ما أريده هو أن نتخلص من هؤلاء المدّعين أو النصابين، وأن نفسح المجال لنرى إن كانت هناك تجارب حقيقية فعلاً يمكنها أن تلهمنا في الحياة حقاً أو لا.        

لذلك، أجدني لا أتفق مع كل من يقف ضد أي محاولات تحفيزية، ويصنفها حسب المفهوم الشائع في ذهنه، فنحن لا ندرك مثل هذا الفارق بين المحاولات المختلفة، وقد نحبط محاولة صادقة دون قصد. فقط، علينا أن نغيّر نظرتنا إلى الأمر، وأن نضع كل شيءٍ في نصابه الصحيح. فوسط كل هذه الظروف التي نعانيها، فإننا بحاجة إلى أن نمنح أنفسنا الفرصة لنخلق الأمل للخروج من المعاناة، وألا نستسلم لليأس؛ ومن ثم التركيز على الأمثلة الناجحة في مجتمعنا، والتحفيز الصادق الذي يمكنه أن يساعدنا في حياتنا.          

لأنني أؤمن تماماً بأنّه إن كانت الظروف سيئة، فالإنسان أمامه اختيار من اثنين؛ إما التسليم للظروف هو أيضاً وألّا يفعل أي شيء، وإما المواجهة الحقيقية. فإن اخترنا الثاني، فإننا في حاجة إلى من يدعمنا، أو على الأقل نقدم الدعم لأنفسنا من خلال كلماتنا. في اقتباس لرضوى عاشور تقول: "ولكنني أكره العدمية، وأكره تيئيس الناس عندما يسقط الإنسان هو شخصياً في اليأس، فيعلن هكذا بخفة وبساطة أن كل مسعى يلجأ إليه الناس لخلق معنى لحياتهم، ليس سوى أوراق توت!".         

ولذلك، يجب أن يكون لدينا القدرة دائماً على التفرقة بين الحقيقي والمزيف، لا أن نضع كل شيءٍ في الخانة نفسها، ولأننا فعلاً بحاجة إلى وجود ملهمين حقيقيين وصادقين في حياتنا، حتى يمكننا أن نواصل رحلتنا في الحياة.

تم نشر هذا المقال في موقع مدونات الجزيرة 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
معاذ يوسف
كاتب مصري
تحميل المزيد