اعترافات مضيفة جوية: لحظات بُعثتْ لتحيا

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/01 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش

لم أكن يوماً ممن وضعوا هدفاً واضحاً وسعوا لتحقيقه، دائماً ما أتخبط بين رغباتي وأحلامي، وبين واقعيتي وآرائي المتغيرة دوماً، لم أضع خطة لتحقيق حلم ما ولم أسعَ جاهدةً للحصول على ما أبتغيه، ولكن أحياناً يحدث ما لا نتوقعه ونفاجأ بما يحمله لنا القدر.

سأحكي لكم كيف بُعثت لحظات من حياتي؛ لكي أحياها من جديد ولكي تظل مرسومة بالحبر على الورق.

من فترة ليست ببعيدة، قررت أن أدوّن ذكرياتي في أثناء عملي مضيفة للطيران، قد يكون السبب اشتياقي إلى تلك الأيام أو اشتياقي إلى براءتي، حينها لا أعلم بالضبط، ولكني أخذت القرار وأنشات مدونة خاصة بي، وبدأت سرد قصصي في أثناء الطيران، لم أكن أسعى لجذب قراء أو معجبين، ولكني أستمتعتُ بتذكُّر تلك اللحظات كما لو أنني أعيشها مرة أخرى بكل ما تحمله منه من مشاعر حب وكره ووحدة ومرض واغتراب، كنت أستعيدها بحب ومتعة كما لو كنت أشاهد فيلم كرتون لتوم وجيري، الذي مهما طال بي الزمن فسأظل أستمتع بمشاهدته.

لم أكن أعلم أن هناك من يتابعني، إلى أن وجدت تعليقات من أناس لم أعلمهم، تحثني على الاستمرار؛ بل ويطلبون مني تفاصيل أدق، سعدت جداً بذلك واستمررت في سرد قصصي مدة عام، حتى اقترح عليّ أحد الأصدقاء أن أنشر تلك القصص في موقع إلكتروني. وقتها أضاء مصباح صغير في عقلي وقررت أن أخاطب أحد المواقع التي أتابعها بشغف، وبالفعل راسلت مدير موقع "هافينغتون بوست"، والذي رحب بفكرتي، وشجعني على الاستمرار، وكان له وللموقع فضل كبير في دعمي. وبالفعل، أصبحت أدوّن على موقع "هافينغتون بوست" بكل حرية، وكنت مستمتعة جداً بردود القراء ومتابعتهم لي، إلى أن نشر الموقع قائمة بالمقالات الأكثر قراءة لعام 2016، وكانت القائمة تضم أحد مقالاتي، شعرت بسعادة غمرت قلبي، خاصة أنني في ذلك الوقت تركت وظيفتي وجلست بالمنزل أطارد أفكار الاكتئاب وتطاردني، هذا الموقع الذي أعطى فرصاً للعديد من الكتاب أن يبدأوا مشوار حياتهم بالتدوين وباكتشاف قدراتهم من خلاله والذي سأظل شاكرة لهم مدى الحياة.

اقتصرت على مشاركة تجربتي عبر الموقع، ولكن كانت تداعب أحلامي أمنية بعيدة المنال، أمنية كانت تراودني كلما زرت مكتبة من المكتبات لشراء أحد الكتب، حين أحمل الكتاب وأتخيل أنه كتابي وأن اسمي يتوجه مسبقاً بلقب "الكاتبة".

تلك الأمنية لم أشاطرها مع أحد، ظلت حبيسة أفكاري وحدي، إلى أن حدثني هاتفياً أحد الأصدقاء والذي جاء مصر في زيارة، وطلب مني مقابلته، وعلى الفور قبلت، وبعد أن تحدثنا عن الحياة وما فعلت بي وما فعلتُ بها، وجدته يطلب مني أن أجمع تلك المقالات في كتاب، وقال لي إنه قرر نشر كتابي، وقتها فقط آمنت بالإشارات، أحياناً يبعث الله لنا برسائل لتنير لنا ناصية الطريق وتدلّنا على الخطوة التي يجب أن نخطوها.

بالفعل، انتهيت من سرد قصصي وجمع مقالاتي، ولكن دار النشر تعثرت فأبيت أن أستسلم، عرضت كتابي على دار "دوّن" للنشر والتي يديرها مجموعة شباب مثقف، تحمسوا لكتابي وقرروا أن ينشروه، وبدأت رحلة اختيار الغلاف والإهداء والشكر، وكل تلك التفاصيل التي قد تبدو سهلة، ولكنها كانت في غاية الصعوبة بالنسبة لي، إنه أول كتاب لي وقد يكون الأخير، إنه ابني وأمنيتي وحلمي، كيف يسهُل عليّ اختيار غلاف يعبّر عنه وكم من شخص وجب عليّ أن أشكره؛ لأنهم كُثر!

وجاءت اللحظة التي كنت أحلم بها، دلفت معرض الكتاب وذهبت وكأنني أسير على موجات البحر لا أشعر بمن حولي ولا ماذا يُقال، كانت عيوني تجوب المكان باحثة عن ركن دار "دون"، ما إن رأيت شعار الدار حتى انطلقت كطلقة رصاصة وعيوني تبحث بشوق عن ابني، عن حياتي وما إن رأيته حتى ارتعشت يدي وهي تحمله، وتساقطت دموعي، التي نادراً ما أستطيع كبحها، ظللت أنظر لاسمي على الكتاب والذي يسبقه كلمة " الكاتبة" وأنا أقول في نفسي: أشكرك يا الله.

نعم، لقد بُعثتْ تلك اللحظات لكي تحيا على صفحات كتابي "اعترافات مضيفة جوية".

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نهى ماضي
كاتبة مصرية
تحميل المزيد