قبل مدة كنت قد كتبت عن أحد الأصدقاء الذي أوشك على السقوط في الخيانة، لكنه تدارك الموقف سريعاً، وقبل أن يسقط في الخطيئة عاد نادماً، وأخبرني أنه يشعر بالأسف؛ لأن مجرد الاقتراب أو التفكير في غير زوجته هو في حد ذاته بمثابة الخيانة، ووقتها أخبرت صديقي هذا بأن النفس البشرية قد تخطئ، و"كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وأن الذنب الذي أوشك على ارتكابه هو خطر قد يحدث لأي شخص منا، وقلت له إنني احترمته؛ لأنه عمل حساب رفيقة دربه وأم أطفاله.
وعاد صديقي لحياته الطبيعية، ومرت الأيام هادئة بعد الإعصار النفسي الذي عصف به، وكاد أن يحطم حياته.
تذكرت قصة صديقي هذا، بسبب قصة أخرى عن آخر يخون زوجته ويشكو من الملل، ولا يشعر بالأسف، وسألته مرة: لماذا لا تدعو زوجتك على سهرة رومانسية تجددان بها عهدكما؟ فقال لي: إن السهرات الرومانسية تحتاج إلى وجوه جديدة! ولن أنسى تعليقه على اقتراحي حين قال: "هل يذهب المرء إلى المطعم آخذاً معه غذاءه؟".
وفي أثناء حديثنا أخبرنا وكنا مجموعة، أن له حبيبة "مزة جامدة" وتناول هاتفه من على الطاولة وفتح صورتها بكل خسة ونذالة، لنرى جمالها الآخاذ الفتان بملابس كاشفة وبدون ملابس كاشفة أيضاً، فشعرت بالصدمة الكبرى؛ لأن هذه السيدة التي يظن أن لا أحد يعرفها هي زوجة رجل آخر.
وانهالت التعليقات خلال الجلسة على الدنجوان "اللي مقطع السمكة وديلها" وعلى "الفرس" التي يعاشرها.
عندما علمت بتلك الخيانة اعتذرت عن المجلس، وقمت أفكر في هذه الشبكة المعقدة من الخيانات الزوجية، وعن سبب شعورنا بالاشمئزاز عندما نستمع لقصة خيانة بطلتها امرأة، لماذا تقترن صورة الخائنة بأبشع المشاعر؟
في نفس الوقت الذي نقرأ فيه عن خيانات الرجل، نفتح باباً موارباً، فبإمكانه أن يتزوج، وقد نلقي اللوم على إهمال زوجته، وعلى مرحلة منتصف العمر، وحالته النفسية، والبرود العاطفي، وحقوقه الزوجية واحتياجاته، بينما لا نسأل ولا نفكر في تلك الأعذار في حالة المرأة الخائنة، ففوراً تأتينا صورة ذهنية لها تحمل ملامح الشيطان، ونطلق عليها امرأة لعوباً، خدعت زوجها ولم تحافظ على شرف أبيها وأطفالها، وقد تورط العائلة في طفل من رجل آخر غير عابئة بمسؤولياتها ولا بأي اعتبارات، وحتى القوانين لن ترحمها، فإن قتلها زوجها لا جناح عليه، أما هو بإمكانه أن يصلح الخطأ، فهو "رجل".
أنا لا أدافع عن الخائنة، ولا عن الخائن، ولكن سأتحدث عن اعتبارات أخرى، عن الزمن، والملل، والاحترام، والاحتياج العاطفي، والجنس، والأشياء الأخرى العابرة، كل تلك الأمور التي يتحدث عنها الرجال، فهم يخونون لأنهم بحاجة إلى الحب، هم بحاجة إلى من يستمع إلى أحاديثهم التافهة ويتوقون إلى الإثارة، إلى الارتجاف في العلاقة الحميمة وكأنها المرة الأولى، يبحثون عن الجمال، الاهتمام، والعطر الذي يسرق الألباب.
لم أستمع في المجالس التي أتردد عليها عن احتياجات المرأة، لم يخبرني أحد أن السيدات يفتقدن أيضاً الاهتمام، وبعضهن يعانين بسبب غياب أزواجهن، لديهن نفس المشاعر، ونفس الرغبات، بعضهن يتحملن بسبب حب أزواجهن، فالمرأة إن أحبت لا يمكن أن تخون، ولكن بعضهن يشعرن بالملل ويحلمن أو يفكرن فقط في رجل آخر "خيانة خفيفة".
ولأننا نرى في المرأة صورة الأم والطهر والصورة الرمزية للعفاف، يصعب علينا تقبل أن تكون بشراً عادياً، فلأننا نحترم أسطورة المرأة لا ننقل أخبار نزواتها وعلاقاتها المحرمة الكثيرة، على الرغم من أنها في الحقيقة إنسان عادي طبيعية ليست خارقة القدرات، تتحمل الكثير، تخطئ وتصيب، تحب وتكره، تشتاق، وترغب في الحديث وممارسة الحب، تشتاق إلى رجل يشعرها بأنها أنثى، وترغب في أن يهتم رجل بتفاصيل موعد دورتها الشهرية، ويتأكد بأنها بلغت "الأورجازم" قبله، تتمنى أن يخفق قلبها فتتكسر ضلوعها من شدة الوجد، تحلم بأداء دور العشيقة والمحظية، بل تحسدها فنصيب المعشوقة يكون أوفر.
ماذا لو لم تجد المرأة كل هذا؟ وبماذا ترد على من يخبرها بأن كل تلك الأمنيات هي خيال ينسجه الشعراء ومخرجو السينما؟ وأنه لا وجود للشوق والارتواء، ولا يسمح لأن تطلب المرأة دواء يزيد من رغبتها الجنسية، ولا تفلح مهما تحايلت لكي تتقبل معاشرة زوجها الظلامية كل ثلاثة أشهر.
في تلك الحالة هل نتوقع أن تظل جميع السيدات ملائكة؟
تتحمل الأغلبية، وتسقط كثيرات في الخيانة، وتتوب، وتستمر أخريات في الخطيئة باحثات عن المشاعر المفقودة، عن الاهتمام، عن الغزل، وعن الوضعيات الجديدة "التي يبحث عنها الرجال أيضاً"، وهناك من لا تكترث وترغب في تجربة قوة تأثيرها وغوايتها، بل وهناك من يلهثن خلف الخيانة كنوع من الهواية استمراراً لمسلسل "التفاحة المحرمة"؛ حيث إن الحرام له جاذبية غريبة تجعله ممتعاً مسلياً، لا فرق بين رجل وامرأة.
لا فرق بينهما في الخيانة أو الإنسانية، في الإخلاص أو في الإيمان، في العلم أو الجهل، لا أعرف من الذي فرق بينهما، هي لا تستحق أن نلتمس لها الأعذار؛ لأنها أمّ وابنة عذراء وزوجة مصون، ولا تستحق أن نقسو عليها؛ لأنها خالفت القوانين والأعراف، ولا أن نقتلها؛ لأنها أحبت أو كرهت.
الخائنة تفعل وتجيد إخفاء جريمتها خوفاً من القتل، خشية الموت فقط، فقد تهون الفضيحة وتُنسى مع الأيام، بعكس الرجل الذي لا يخشى افتضاح أمره فمشكلته في النهاية "محلولة بكلمتين" و"خلصانة بشياكة"، فإما يتزوج وإما يعود بباقة ورد، ووعد بأن لا يفعلها مرة أخرى مهما ارتكب من فضائح.
أما عن الذي يسامح المرأة.. فلم يخلق بعد.
تم نشر هذه التدوينة في موقع اليوم الجديد
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.