شاهدته فيلماً، قبل أن أطالعه رواية، واليوم، وأنا أقرأ مستجدات قضية مقتل برلماني في المغرب على يد عشيق زوجته، تذكرت تفاصيله.
تقول الأرملة الطروب:"ضعف مني أني كنت أحكي له كل شيء، فوق طاقتي، ارتحت له كثيراً، آخر واحد كنت أسمع صوته كان هو، وكنت أظل معه على الهاتف إلى الثانية صباحاً".
كلمات، كتبت الجرائد أن أرملة البرلماني المقتول، قالتها وهي تذرف الدموع، وتحاول باستماتة أن تؤكد ليس فقط عدم تلطخ يدها بدماء زوجها، بل أيضاً دفع زوجها لها للارتماء في أحضان قاتله.
بعيداً عن أحداث هذه القضية التي كانت قد أثارت الهلع في نفوس المغاربة يوم حدوثها، هناك تفصيلة صغيرة بتنا نعيشها في مجتمعنا كل يوم، حتى باتت في طريقها لأن تصبح مألوفة، وهي، حياة زوجات وفر لهن أزواجهن كل شيء إلا الاهتمام، فارتمين في أحضان أول رجل أسمعهن كلاماً جميلاً، وعاملهن برقة، وقدم لهن ما تحتاجه كل امراة في رجل، وهو الرقة في التعامل، وعدم إهمالهن.
لا أعرف كيف كانت نساء الزمن الماضي يتعاملن مع المعاملة السيئة لرجالهن، وغياب الرقة في تعاملهم معهن، وجهلهم بطبيعة نفسية المرأة وحاجياتها، وإهمالهن من أجل انشغال بالعمل، أو بنساء أخريات، أو لأي سبب، لكن ما أعرفه من خلال الوقائع التي أعيشها في قصص عدد من النساء المتزوجات، والأمهات، أنهن لم يعدن يقبلن القبول بالصمت والصبر كرد على إهمال أزواجهن لهن، وإنما بدأن يرتمين في أحضان أول رجل يوفر لهن ما لا يقدمه الزوج.
نشأت في عائلة محافظة تربت النساء فيها أن يدفن مشاعرهن في قلوب أبنائهن، وأن يعوضن إهمال الزوج، بحبهن لأبنائهن، وبالصبر، لذلك أصاب بحزن كبير حين أنصت لامرأة تقول إنها ارتمت في حضن رجل آخر بسبب إهمال زوجها لها، حزن على المرأة، فالمرأة غير الرجل، أقرب إلى الوفاء منه، وأكثر رزانة منه، حزن التي تعرف أن هذه المرأة تبحث عن الرجل الذي رأته في زوجها فوجدت منه الإهمال، في البحث عن زوجها في رجل آخر، زوج ينصت لمشاعرها، يعاملها برقة، يقتطع من يومه المزدحم دقائق ليسأل عن أحوالها، وحاجياتها، زوج ترى منه العطف والتقدير، وليس زوجاً استقال من دوره كرجل.
يحكي لي أحد الأصدقاء أنه مرة أعجب بامرأة في منتصف الثلاثين، تبادلا الأرقام، والتقيا، لتخبره أنها متزوجة وأم، وأن زوجها يهملها عاطفياً، وأنها يعاشرها دون أن يقبلها أو يداعبها، وأنها حاولت أن تخبره مراراً، لكنه كان يقابل محاولاتها بقمعها، أو التهرب من حديث هادئ، أو بالتحجج بانشغاله بالعمل، لتجد نفسها تفكر في ضرورة إيجاد رجل بديل تعوض فيه ما تفتقده في زوجها والد أطفالها.
امرأة أخرى حكت لي أن قريبها شاب وسيم، وله عمل جيد، التقى بفتاة مع والدها في مركز تجاري كبير، استغل الفتى انشغال الأب ليتحدث إلى الفتاة، نشأت بين الاثنين علاقة قوية، أحب الفتى الفتاة، وأصر على الاقتران بها؛ ليتفاجأ بمماطلة من حبيبته، فقرر أن يقصد والدها، ليكتشف أنه زوجها، وأن الثلاث سنوات التي جمعت بينه وبين حبيبته، كان في حياتها رجل آخر هو زوجها.
لا أعتقد أن نساء الزمن الماضي كن يتعاملن بهذه الطريقة احتجاجاً على تعامل فظ من الزوج، وإهمال، لكن ما أصابني بخوف كبير هو أن نساء الأمس كن يحتمين بشعور الأمومة لحماية أنفسهن من البحث عن حب رجل آخر غير الزوج المهمل، لكن نساء اليوم اللواتي يرتمين في أحضان رجال آخرين غير أزواجهن، لا يشعرن بأن حب أطفالهن كاف ليعوضهن عن حاجتهن لحب رجل.
"أرجوك أعطني هذا الدواء"، عنوان رواية ألفها الكاتب المصري إحسان عبد القدوس، وحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة نبيلة عبيد، ومحمود عبد العزيز، وفاروق الفيشاوي، وماجدة الخطيب.
تدور أحداث الرواية والفيلم حول امرأة شابة، جميلة، أنيقة، مرتبطة برجل أعمال ميسور، وعمله في السياحة يجعله يلتقي بعدد من النساء الجميلات من مختلف جنسيات العالم، للرجل والمرأة أطفال، يوفر الرجل لامرأته وأطفاله كل ما يحتاجونه مادياً، يعاشر الرجل امرأته، لكنه يعاشرها وهو صامت، لا يسألها حاجتها، ولا ينصت لمشاعرها، وحين ينتهي يدير ظهره وينام، ويتركها هي في حزن كبير لا تفهم سببه، إلى أن تجده ذات يوم رفقة امرأة أخرى، وتكتشف أنه عاشر أغلب صديقاتها، وأغلب زبوناته، وزميلاته في العمل، وتكتشف أكثر أن زوجها الذي يعاشرها في صمت، هو رجل "متكلم" مع باقي النساء، بل هو رجل يضاحكهن، يمازحهن، ويراقصهن، هو مع الأخريات رجل، ومعها زوج.
تستشير المرأة صديقتها، وتخبرها صديقتها أن تقوم مثلها، أن تبحث لنفسها عن رجل آخر تعوض من خلاله ما لا يمنحه له زوجها من اهتمام، ورقة، ووقت، وإنصات، وكلام عذب، تحاول المرأة أن تفعل لكن حبها لأطفالها ولزوجها يجعلها تتراجع في آخر لحظة، لكن معاناتها تتزايد بتزايد إهمال زوجها لها مقابل اهتمامه باخريات، فتقرر اللجوء إلى طبيب نفسي، يوصيها الطبيب أن تبادل زوجها المهمل لها بالإهمال، ألا تعطيه وقتاً، أن تحرمه من اهتمامها به، ورعايتها له، وأن ترفض معاشرته جنسياً. تقوم المرأة بما أوصاها به الطبيب، فتثور الشكوك في قلب الرجل، ويحاول أن يسترجع اهتمام زوجته به، تتجاوب المرأة معه، وتحصل على ما تريده النساء، رجل يتعامل برقة، ويقدم المداعبة على المواقعة، لكن الرجل سرعان ما يعود لعادته، ويشتاق للذهاب في رحلة صيده اليومي لنساء لسن نساءه، فزوجته امرأة في يده، وهو يشتاق لنساء فوق الشجرة.
تصاب المرأة بنوبة غضب، تذهب إلى منزلها، ترتدي فستاناً مغرياً، تركب سيارتها، وتتجه إلى عيادة الطبيب، وترتمي في أحضانه، وتطلب منه أن يعاشرها، لكن الطبيب يصفعها في محاولة لجعلها تستفيق من صدمتها إلا أن المرأة تصاب بإحباط شديد، بدأه الزوج الذي أهملها من أجل نساء أخريات، والطبيب الذي رفض طلبها في منحها الدواء الذي اعتقدت أنه ما تحتاجه، دواء أن يشعرها رجل أنها مغرية، أنها مرغوبة، انها مهمة له.
تركب المرأة سيارتها غاضبة، فتنقلب السيارة، وفي المستشفى، يقف الزوج بجوار جسد زوجته المهشم بعد أن هشم قلبها، يبكي ويطلب منها أن تغفر له "جريمة الإهمال" التي ارتكبها في حقها.
في رواية عبد القدوس كان هناك رجل عاقل رفض أن يستغل خيبة أمل امرأة في فقدانها الرجل في زوجها، لكن في رواية البرلماني المقتول، كان هناك رجل لم يكن في مثل أخلاق "فاروق الفيشاوي" الذي قام بدور الطبيب المتعفف عن استغلال امرأة جاءت طالبة الدواء، الدواء الذي طلبته أرملة البرلماني، ولم يمانع عشيقها في منحه لها.
انتبهوا لزوجاتكن، لحبيباتكن، لصديقاتكن، حتى لا يضطرهن إهمالكم لهن أن يذهبن إلى آخرين، كل دورهم في الحياة التربص بنساء كسر الرجل الذي يحببن قلوبهن، فرحن يهتفن: "أرجوك.. أعطني هذا الدواء".