حرب الخليج الاعلامية

دول الحصار أخرجت كل ما لديها، ولم يؤتِ أكله يوم حصاده، فلجأت إلى الذباب الإلكتروني عبر منصات التواصل وإلى الفضائيات التي لم تأتِ بجديد سوى إعادة بث أخبار قديمة، لكن بإضافات ساقطة كالكذب وهو أساس الأزمة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/26 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/26 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش

لم تشهد الساحات الإعلامية العربية تراشُقاً إعلامياً على الفضائيات والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي مثل ما شهدته أخيراً عقب الزلزال الخليجي الذي أعقبه حصار قطر من دول الخليج ومصر، وأصبحت منصات التواصل خاصة ساحة للردح والكذب الرخيص من قِبَل الإعلام السعودي، حتى وصل الأمر للحديث عن الأعراض.

و حتى على مستوى أعداء العرب كإسرائيل مثلاً، بل حتى في خضم أزمة احتلال الكويت من قِبل صدام لم يصل الإعلام إلى هذا المستوى المتدني، بل صدام نفسه وزوجته وأولاده كأشخاص لم يتعرضوا لمثل هذا الهجوم من قِبل دول الحصار، كما تعرضت قطر والعائلة الحاكمة خصوصاً.

البداية كانت ببث أخبار كاذبة وردت على لسان الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، عقب اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وسرعان ما نفت الحكومة القطرية هذا الكلام، لكن استمرت تلك الدول بالترويج في وسائل إعلامها لكلام الشيخ تميم على اعتبار أنه حقيقة، ولم تذكر وسائل إعلام تلك الدول، ولو في شريط الأخبار لقنواتها، نفي قطر لتصريحات الأمير، وتعرّض موقع وكالة الأنباء القطرية للاختراق.

في بداية الأزمة غرّد الصحفي السعودي جمال خاشقجي بتغريدة قال فيها: اللهم لا تجعل إعلامنا كالإعلام المصري، لكن الذي حدث أن إعلام السعودية خاصة نافس الإعلام المصري في التدني والكلام في الأعراض، فالإعلام المصري، وخاصة في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وما بعده، وصل إلى مرحلة من الانحطاط غير مسبوقة، ففي فترة الرئيس مرسي كان الإعلام لديه ضوء أخضر من قِبَل الأجهزة الأمنية بالهجوم على مرسي والإخوان وقطر، وتم تدشين قنوات فضائية جديدة في تلك الفترة ممولة من قِبل الإمارات كان الشغل الشاغل لتلك القنوات هو إسقاط هيبة الرئيس مرسي، وتم ذلك بالفعل عبر برامج التوك شو الساخرة من البرامج التي تتحدث عن كل مشكلة صغيرة في مصر، وتجعل منها أكبر المشاكل، ففي تلك الفترة لعب الإعلام على أكثر من وتر، وكلها تمس قلوب الشعب، خاصة الثوار، منها محاكمة المتورطين في قتل الثوار، وذلك من خلال نغمة حقوق الشهداء واللعب على وتر الأمن في الشارع والجانب الاقتصادي… إلخ، وشيطنة الإخوان ومحمد مرسي، وأصبحت الصحف المقروءة خاصة عبارة عن مستنقع للسباب والشتم، واستمرت على هذا المنوال حتى كتابة هذه السطور.

الإعلام الخليجي المعروف أنه بعيد عن تلك المزايدات الرخيصة، وقع للأسف في نفس ما وقع فيه الإعلام المصري في الدعارة الإعلامية، لم يكن يتصور في خلد أحد أن يصل الحال في إعلام الخليج إلى هذا المستوى من الانحدار والتردي الأخلاقي، فالخلاف السياسي له حدوده وآلياته؛ لكن كون الإعلام يتجاوز أطر الخلاف السياسي ويهبط وينزل مستواه إلى الحديث في النساء والأعراض، فهذا ما لم يكن يتوقعه أحد في إعلام السعودية؛ حيث تم التطرق للحديث عن الشيخة موزة والدة الأمير وتدخلها في السياسة… إلخ هذا الهراء.

الإعلام السوري برغم الموقف القطري من نظام بشار، لكنه لم يصل لهذا المستوى المتدني من الأخلاق، بل ظلَّ في وضعية الهجوم على قطر وحكام قطر وسياسات قطر، سواء بحق أو بباطل، لكنه لم يصل إلى حد الحديث عن الأعراض والنساء، الذي هو من المفترض أنه خط أحمر لدى العرب عامة والخليجيين بصفة خاصة، والمؤسف أنه لم يتوقف، مما يعني أن هناك ضوءاً أخضر من قِبَل جهات عليا باستمراره.

لقد كشفت الأزمة الخليجية النقاب عن الكثير من الشخصيات الإعلامية والصحف التي يتحكم فيها ليبراليو السعودية، فضلاً عن الفضائيات التي تبث من الإمارات على سبيل المثال، وكانت تهاجم هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وفي ذات الوقت تروّج لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، من خلال بث فيلم وثائقي عنه.

وحتى أكون منصفا في الطرح طالعت وسائل الإعلام في طرفي الأزمة، ما وجدته في وسائل إعلام دول الحصار ما يلي: الاتهامات بدعم الإرهاب والإخوان المسلمين وإيران كلها اتهامات مرسلة، ولم تخرج بوثيقة واحدة أو دليل واحد يثبت صحة ادعاء واحد، بل الغريب أن تأتي فضائية سكاي نيوز تتحدث عن أحداث 11 سبتمبر/أيلول وترمي الكرة في ملعب قطر بفيلم: الدوحة الطريق إلى مانهاتن، ومن المعروف سلفاً أن الموضوع قُتل بحثاً ومات وعرف أن أطرافاً سعودية سواء بالتمويل أو المشاركة كان لها دور في تلك الأحداث، فضلاً عن ذلك دور الإخوان والشيخ يوسف القرضاوي في تسيير الحكم في قطر، وهذا الكلام لو عرض على طالب في أولى إعلام لن يصدقه، وهم أنفسهم يعلمون كذب هذه الادعاءات، فضلاً عن ضيوفهم الذين يختارونهم في المقابلات والتحليلات كلهم لهم مواقف أيديولوجية معادية للإخوان المسلمين، بل لم تجرؤ قناة فضائية من قنوات تلك الدول على أن تستضيف أحداً من الإخوان أو مَن يمثلون وجهة النظر الأخرى من القطريين.

إذن الاتهامات المرسلة وتزوير الحقائق كانت السمة البارزة لإعلام تلك الدول.

الإعلام القطري بما فيه قناة الجزيرة إلى وقت قريب من الأزمة اتخذ موقف الدفاع، ولم يبادر بالهجوم على شخصيات أو غيرها، على أمل أن تحل الأزمة، لكن مع ازدياد رقعة الأزمة وتطاول إعلام تلك الدول، اتخذ موقف الهجوم أو الرد بالمثل، لكنه لم يخُض في أعراض أو شخصيات سيادية بارزة بعكس إعلام تلك الدول.

الجزيرة بدورها لم تعرض أو تنشر خبراً إلا بتوثيق أو مسنداً إلى صحيفة أو وسيلة إعلامية، بل كانت تستضيف ممثلين لدول الحصار وما زالت على شاشتها، وكانوا يهاجمون قطر ومع ذلك أفسح لهم المجال، في المقابل لم تجرؤ فضائية من فضائيات تلك الدول على استضافة إعلامي قطري أو مَن يمثل وجهة النظر الأخرى، بل شرّعت تلك الدول قوانين تجرّم مجرد التعاطف مع قطر.

في المقابل، أصدر مكتب الاتصال الحكومي في قطر بياناً يطالب فيه وسائل الإعلام والمغرّدين بتحري الدقة في نقل الكلام وصدق الحديث، وهذا يعكس توجه دولة قطر التي لم تثبت صحة دليل اتهام واحد من اتهامات تلك الدول، بل على العكس مغرّدو وإعلاميو تلك الدول بل والممثلون لخارجية تلك الدول يثبتون كل يوم تناقضات.

دول الحصار أخرجت كل ما لديها، ولم يؤتِ أكله يوم حصاده، فلجأت إلى الذباب الإلكتروني عبر منصات التواصل وإلى الفضائيات التي لم تأتِ بجديد سوى إعادة بث أخبار قديمة، لكن بإضافات ساقطة كالكذب وهو أساس الأزمة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد