وثائقيات الحربين العالميتين وبعض التعليقات

شاهدت بعض الوثائقيات عن الحربين العالميتين (الأولى والثانية) مثل (أبوكاليبس الحرب العالمية الأولى) و(أبوكاليبس الحرب العالمية الثانية) و(هياكل نازية عملاقة) و(عالم النازية الخفي)، فأبهرتني متابعتها إلى حد الدهشة والاستغراب، فأردت أن أعلق بعض التعليقات على هذه الوثائقيات وما تحمله.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش

قراءة التاريخ متعة لا تضاهيها متعة، إلا متعة مشاهدة الأفلام التاريخية الوثائقية، فهي رواية للتاريخ بصور ومشاهد حقيقية منه.

ولقد شاهدت بعض الوثائقيات عن الحربين العالميتين (الأولى والثانية) مثل (أبوكاليبس الحرب العالمية الأولى) و(أبوكاليبس الحرب العالمية الثانية) و(هياكل نازية عملاقة) و(عالم النازية الخفي)، فأبهرتني متابعتها إلى حد الدهشة والاستغراب، فأردت أن أعلق بعض التعليقات على هذه الوثائقيات وما تحمله.

أول ما لفت انتباهي في هذه الوثائقيات الإبهار في تصويرها والتعليق عليها، حتى جعلتني أشاهدها أكثر من مرة، وفي كل مرة يزداد شغفي بها وترقبي لها.

إن الحياة لتزداد شغفاً وإمتاعاً بالمغامرة والمغامرين، ولولا هؤلاء المغامرون، الذين حملوا كاميراتهم وصوروا لنا هذه الأحداث من قلب القصف والقنص لما شاهدناها وانبهرنا بها واستفدنا منها، وعلقنا عليها.

حجم القصف والتدمير والقتل في هاتين الحربين كبير ومذهل، وأكبر أدوات الحرب، وأعظم أدوات الانتصار فيها، كان القصف بالطائرات والدبابات، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول في الحديث الذي يرويه مسلم: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي).

لا أخلاق في حروب العصر الحديث، وقتل المدنيين وتدمير مدنهم على رؤوسهم هو من أهم ما استخدمه الغرب في كسره للنازيين والانتصار عليهم، ويبقى السؤال الكبير: إذا حارب المسلمون يوماً أعداءهم، وقتل الأعداءُ المدنيين من المسلمين وقصفوا مدنهم وقراهم، ألا يجوز للمسلمين حينها أن يعاملوهم بالمثل؟

الجيوش الحديثة غير الجيوش القديمة تماماً، فعنصر القوة والغلبة في الجيوش القديمة كان الجندي والعدد، أما عنصر القوة في الجيوش الحديثة فهو الآلات والعتاد.

عندما تنظر لعيون ووجوه الجنود من كل البلدان المشاركة في هاتين الحربين، لا تجد هيئة ولا روحاً لأبطال وشجعان وأساطير حربية كما كان قديماً، ولكن تجد رجالاً عاديين، بل وشباناً صغاراً خائفين وزائغين، يحملون في أيديهم سلاحهم الغالب.

الحروب أصبحت حروب سلاح، لا حروب جنود.

أغلب الجنود المشاركين في هاتين الحربين، كتبوا في مذكراتهم كلاماً مباشراً، حول أنهم كانوا يقاتلون ولا يعرفون لماذا يقاتلون، غير راضين عن هذه الحروب ولا عن القتل فيها، ولا عن أخلاقها وممارساتها.

بكل بساطة، لم يكونوا يقاتلون عن عقيدة، بل سيقوا إلى أرض المعارك من أجل مجد دنيوي زائف لبلد أو لنظام أو لعرق، أو لمجد حكام وقادة.
ليس أعظم من أن تقاتل عن عقيدة؛ عقيدة دينية، تقاتل فيها لأجل عقيدتك ودينك، فتنصر الحق وتحارب الباطل، وليس أشجع من ذلك الجندي الذي يقاتل عن عقيدة، وليس أقدر منه على التضحية والفداء، ولو أن ذلك الجندي العقيدي أُعطي سلاحاً وعتاداً مناسباً فلن يقف في وجهه أحد على ظهر الأرض.

وكما قال الصحابة رضوان الله عليهم: (لقد قاتلنا الفرس والروم، فلم نجد كقتال بعضنا لبعض، كلٌ يقاتل عن عقيدة).

مجد الدولة الإسلامية الجامعة (الخلافة) ليس بعيداً، ففي الحرب العالمية الأولى كانت دولة الخلافة العثمانية لا تزال موجودة، ولا تزال لها قوتها وإن ضعفت، ولها مكانتها وإن قلَّت.

ولقد حاربت دولة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى فكانت نداً لند مع أعدائها، بل وانتصرت في بعض الجولات على الروس من جهة، وعلى البريطانيين والفرنسيين من الجهة الأخرى.

الوثائقيات الموجودة عن هاتين الحربين تم تصويرها وإنتاجها وإخراجها من قوات الحلفاء (أميركا وبريطانيا وفرنسا)، ولذلك فهي وثائقيات غير محايدة بنسبة مائة في المائة.

ولقد شوهت هذه الوثائقيات النازية الألمانية، وشوهت معها في ما بين السطور الدولة الشيوعية الروسية.

ولا يكمن عدم الحياد هنا في التشويه لهذين الطرفين، فهما مشوهان بالحقيقة، ولقد أجرما إجراماً سيظل يذكره التاريخ، وربما يكون الإجرام الأكبر في التاريخ كله قديمه وحديثه.

لكن عدم الحياد يكمن في إظهار دول التحالف وكأنها حمامات سلام في هذه الحروب، مع أن الحقيقة أن إجرامها ظاهر وبائن في كثير من الممارسات، حتى إن الحرب العالمية الثانية لم تقم أصلاً إلا بسبب ظلم دول التحالف للألمانيين في معاهدة (فرساي)، تلك المعاهدة التي أنهت الحرب العالمية الأولى.

الصدمة التي تلقاها اليابانيون بعد الضرب بالقنبلتين النوويتين في هيروشيما وناجازاكي هي الصدمة التي أثرت في وعيهم وتوجههم وجعلتهم شعباً أكثر سلمية، وهم في الحقيقة لم يكونوا كذلك، بل كانوا دمويين مجرمين مثل غيرهم، وما فعلوه في الصينيين في بداية هذه الحرب شيء مذهل، تقعشر منه الأبدان، ولا يقل بحال عما فعلته النازية أو غيرها.

القتل شيء تنفر منه النفوس البشرية السليمة، والسلمية والتسامح هما سلوك البشر الطبيعيين، والإجرام والتفجير والتدمير سلوك شيطاني غير بشري.

ولذلك فالإسلام الحقيقي الصادق الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هو دين السلام والتسامح، وكل الممارسات باسمه خارج السلمية والتسامح هي ممارسات خارجة عنه وليست خارجة منه، ولا يقبل الإسلام بالعنف والحرب إلا ما كان منها للدفاع عن الأرض والمقدسات والأرواح والأعراض ضد المغتصبين والمبادئين بالاعتداء.

الحرب في الإسلام حرب دفاعية، ولا يقبل العقل الإسلامي السليم أن تكون غير ذلك، فتُقصف المدن والقرى، ويُقتل الملايين، من أجل نشر الدين، أو لمجرد الانتصار على الغير والاستطالة عليهم!

الحرب في الإسلام حرب دفاعية، ولا تكون هجومية إلا في إطار الاستباق لعدو متحفز غادر، يخطط ويتحفز للمبادأة.

لقد تعرض اليهود لحالة من الاضطهاد والإجرام النازي بشكل مذهل، وظُلموا ظلماً تاريخياً، ربما يكون الأشد عليهم في تاريخهم، والمحارق النازية هي محارق حقيقية حَرّق فيها النازيون اليهودَ في صورة إجرامية بشعة، ولا تقبل النفس البشرية السوية مثل ذلك، وليس الخلاف مع الصهيونية العالمية في هذه النقطة إلا في الحديث عن حجم هذه المحارق وعدد اليهود الذين قضوا فيها، وكذلك في تسويق الصهيونية العالمية لهذا الحدث لتبرير بعض الممارسات منها، والضغط على الغرب لكسب بعض الميزات وتأييد بعض التوجهات.

لو أن القدر أمهل الألمان قليلاً، ولو أن الحرب استمرت أكثر من ذلك بقليل، لاستطاع الألمان أن يغيروا وجه الحرب، بل ووجه التاريخ.

لقد كانت العقلية الألمانية النازية عقلية جبارة، وكانت مواردهم كذلك، وكان التصنيع العسكري الألماني أعجوبة من أعاجيب العصر.

لكن أكبر العناصر في هزيمة الألمان هو الاتحاد الغربي والشرقي عليهم، فلقد اجتمعت على ألمانيا (روسيا وأميركا وبريطانيا وفرنسا)، وكما يقولون: الكثرة تغلب الشجاعة.

فإذا أرت أن تغلب عدواً أقوى منك، فتوحد أنت وبقية أعدائه عليه.

أعظم ما في الحضارات الغربية قيمة الإنسان عندهم، وأسوأ ما في الحضارات الشرقية ضعف هذه القيمة في مقابل قيمة الدولة والنظام.
في هاتين الحربين تجد مراعاة النظم الغربية (أميركا وبريطانيا وفرنسا) لحقوق الجندي عندهم، في حين تجد أن روسيا ونظامها الشيوعي لا يكترث بذلك في سبيل النصر والمجد.

لقد دفع الروس بملايين الجنود، فمات منهم الملايين، حتى إنهم كانوا يتغلبون على الألغام بتسيير جموع الجنود عليها حتى تنفجر ثم تمر الآليات من بعد.

الفرد كان ولا يزال ذا قيمة معتبرة عند الغرب، أما في الشرق فلا اعتبار إلا للنظام والدولة.

من شدة استمتاعي بمشاهدة الوثائقيات التاريخية أقول: ما دامت الجنة أرض النعيم المقيم، وما دامت تقدم لساكنيها ما تشتهيه الأنفس، فماذا علينا لو قدر الله دخولنا إليها لو أننا طلبنا منه -سبحانه وتعالى- أن يقدم لنا وثائقيات عن أكبر اللحظات التاريخية التي عاشها البشر؛ قصص الأنبياء والصالحين وصراعات الدول والأنظمة والحضارات.

يقدم الله لنا وثائقيات مصورة نشاهدها، لكنها وثائقيات بصور ومشاهد حقيقية من أرض الحدث، بتصوير وإخراج من طرف الله.. ويا لها من متعة حينها!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد