(القصة من خيالي ولا علاقة لها بالواقع)
قام دانتي الإيطالي، الذي يقطن بجزيرة صقلية وصاحب أكبر مافيا مخدرات في العالم آنذاك، بقتل عائلة جاك الأميركي في أميركا نفسها. هذا القتل ممنهج ومخطط له ومعفوّ عنه سرّاً مِن قِِبل الـ"سي آي إيه".
لقد كثرت هذه العمليات الممنهجة ضد الأُسر الأميركية في ولايات كنتاكي وألاباما وساوث كارولينا ولويزيانا والمسيسبي، وأغلبية الولايات صاحبة البشرة السوداء، وخصوصاً لو كانت ولايات فقيرة.
هجم دانتي وبعض رجاله على المنزل القائم بولاية المسيسبي وقتل أُمّه وأُختيه، وحاول قتل جاك، غير أنه استطاع الفكاك والهرب من قبضته.
ولم ينس جاك الصبيُّ ملامح دانتي، فقد ارتكزت في دماء قلبه الفائرة، قبل أن ترتكز في نسيج خياله.
مرت عشرون عاماً..
بينما جاك يزور عائلته في مقابر المسيسبي ليلاً؛ إذ سمع وقع أقدام قادمة على بُعد عدة أمتار، فتوارى خلف جدار؛ ليتقيَهم وليتبيَّن سبيلهم.
وقفوا وسط المقابر، وقال أحدهم -ويبدو أنه كبيرهم: تبيَّنوا مواعيد الوفيات جيداً، وانبشوا قبور أموات عشرين عاماً مضت، وأحضِِروا لي جماجمهم.. هيا أسرعوا.
ثُم ولّي وجهه ناظراً في أرجاء المقابر فرأي وجهه، إنه دانتي.
تضخمت عضلات قلب جاك وجسده على الفور، وارتسم على وجهه ملامح التوحش والافتراس.
انقضّ جاك على دانتي ولم يسعف دانتي الوقتُ لخروج المسدس من مغمده، خطفه جاك من يده وقتل به رجاله كلهم.
جثا دانتي على ركبتيه طالباً العفو والمغفرة؛ إذ تيقن من موتٍ محققٍ؛ لأنه كان يظنه من مناصري الشيوعية المتعصبين جداً، غير أنه كان يدور بخلده أيضاً أن يكون من أقارب إحدى الأُسر الضحايا التي قامت المافيا بتصفيتهم.
جاك: هل تذكر جريمتك من عشرين عاماً، حيث ألم تذكر الصبي الذي هرب؟
دانتي: لا.
جاك: حُقّ لك أن تنسى، فجرائمك فاقت كل تصور.
حاول دانتي جاهداً أن يتذكر عمليةً قتل فيها أسرة نجا منها صبيٌّ، وعندما تذكَّر قال جاك: لن يفيدك الانتقام، سأمنحك مالاً يجعلك أغنى أغنياء العالم.
لم يعبأ جاك بعرضه؛ لأن الانتقام هو غايته، بيد أنه يريد أن يعرف لماذا يقتلون وماذا يفعلون بالجماجم.
جاك: لماذا قتلتم أهلي؟ ولِمَ تريدون جماجم الموتى؟
دانتي: ما الثمن لو أخبرتك بالحقيقة؟ عِدني بألا تقتلني وأَعِدُك بقول الحقيقة.
جاك: موافق
دانتي: أنا إيطالي الجنسية، تعاونت مع إدارتكم الـ"سي آي إيه" على تقليص المد الشيوعي في جزيرة صقلية إبان الحرب الباردة بينها وبين السوفييت.
كذلك، من مهمتنا السيطرة على مقاليد الحكم في جزيرتي وإثارة الشعب ضد الحكام الذين كانوا يوالون الشيوعيين ويتصبّغون بصبغتهم.
ومن أعمالنا أيضاً، بث بذور البغضاء ضد الشيوعية وتجميل الدور الأميركي وتجسيده في دور البطل والمُخلِّص من براثنها.
جاك: ولِمَ؟
دانتي: لاستعمار بلادنا.
جاك: والمقابل؟
دانتي (متردداً ومتلجلجاً): غضُّ طرف إدارتكم عن دخول مخدراتنا الأصلية والمغشوشة في بلادكم و… (لجلج ثانية).
جاك: وماذا؟
دانتى: قتل بعض فقرائكم السود في الولايات الفقيرة بالأخص، والتي يعمُّها الجهل و… (لجلج ثالثة)
جاك (لكمه لكمة أدمت وجهه): وماذا؟
دانتي: سرقة جماجم الموتى وطحنها مع بعض الهيروين وتخدير الشعب الأميركي بها.
جاك: ولذلك، قتلتم عائلتي واليوم بعد أن أينعت جماجمهم لصناعة الهيروين.. أتيتم لأخذها وطحنها وتركها تتطاير في أُنوف طائشة.
لم ينبس دانتي بكلمة وحطّ وجهه إلى الأرض مكراً ورياءً.
قال جاك: الآن أُوفّيك عهدي.. وسأله: هل تعرف عائلتُك لِمَ أنتَ هنا؟ في أميركا؟
فأومأ برأسه: إي نعم.
فردّ جاك بقوله: آه يا أنذال.
وخطف جاك هاتفه الجوال بحنقٍ وأرسل رسالة إلى أهله نصها: "زوجتي وأولادي، أنا الآن في أميركا حيث تعلمون ما أفعل، وسوف أُرسل إليكم طرداً، وهو مفاجأة كبرى سوف تُسعدكم أيّما سعادة، فانتظروه في القصر حتى يأتيكم".
جاك: أتريد الوفاء الآن؟
نظر إليه دانتي بوجل ورجاء.
جاك: الآن الآن أوفيك، أنت الطرد سأرسلك إليهم.
نظر إليه دانتي بتعجُّب ممزوج برائحة النجاة.. وشحنه جاك.
وصل الطرد لعائلة دانتي في قصرهم الكائن بإحدى جزر صقلية، ذاك الطرد الذي أبلغهم إياه برسالة من جواله منذ يومين.
أسرعوا نحو الطرد لينظروا ماذا أعد لهم أبوهم من مفاجأة، قال لهم عنها في رسالته إنها ستكون كبرى مفاجآت حياتهم.
فتحوا الطرد فوجدوا دانتي أباهم ملجماً بلاصق راتنجي على فمه ومقطوع الأُذنين والأنف والذراعين والقدمَين ومفقوء العينين.
سقطوا جميعاً مغشياً عليهم.
جرى أحد الجيران في القصر المجاور على صوت صرخاتهم، فنظر إليهم وبجانبهم صندوق به دانتي، فأزال الشريط اللاصق من على فمه فوجد لسانه مقطوعاً ينزف دماً ويعيا في النطق؛ لعجزه عن الكلام.
اتجه جاك إلى مطار إيطاليا، قاصداً الإياب إلى أميركا بعد أن أنهى مهمته، وهو راضٍ تماماً عمّا فعل، حيث إنه فعل بدانتي ما هو أشرُّ من القتل، وعذَّب عائلته به التي كانت تعيش على أجساد الأموات من المقتولين وأصحاب الجماجم من بني وطنه.
عائلته التي كانت تتنسم الحرية وتستنشق الطيب على رماد جماجم بني وطنه الغلابة السود.
عاد قاصداً القبور، وفي غفوة غفاها رأى جماجم تغرق في لُجج بحر خضمّ، وانبثق من كل جمجمة منها يدان.. هاتان اليدان تندفعان نحوه من وسط البحر تريد النجاة والخلاص.
أفاق من غفوته ثم انتفض من مكانه وقرّر الثورة وفضْح الإدارة الأميركية وإثارة الناس عليهم.
ثم صرخ صرخة ملأت الآفاق قائلاً: الثورة.. الثورة.. الثورة.
ذهب جاك إلى الصحافة لكي؛ يؤلّبها على الـ"سي آي إيه" فقابلوه وطلبوا منه دليلاً، وهذا ليس عجيباً منهم، وإنما العجيب أنهم لم يفاجأوا مما سمعوه منه؛ لأنهم كانوا على دراية بما تفعله الإدارة الأميركية من أجل إيقاف المد الشيوعي، ليس في صقلية فحسب؛ بل في أوروبا وإفريقيا وآسيا على السواء.
ولم يكن معه دليل، ولكن العزيمة بداخله أقوى من أي دليل، تلك العزيمة المتأججة من بوتقة منصهرة، انصهرت وما زالت تنصهر؛ بسبب قتل
الغلابة من بني وطنه، وبالأخص السود.
ولم يجد جاك بُدّاً من رسم خطة محكمة للخلاص من هذا المخطط الآثم بين الـ"سي آي إيه" والمافيا الإيطالية.
وتلك خطته…
نادى في بعض الولايات الفقيرة والتي كان أكثرها من السود، ناداهم لاصطحابهم إلى زيارة أهاليهم في القبور، وقد ادَّعى أنه مرسَلٌ من عند المسيح.
ذهبوا خلفه كالنمل حتى إذا أتوا المقابر قال: أيها الناس من بني وطني، قد جئتُ بكم اليوم لتروا بأنفسكم ما لن تصدقوه بالسمع دون البصر.
ثم نادى فيهم: من مات له أحد منذ عشرين عاماً فأكثر فليأتني..
فأتاه الكثير، فقال لهم: انبشوا قبور أهليكم.
فتعجبوا واغتاظوا وولُّوا عنه.. ناداهم: يا قومي.. لن تجدوهم؛ فرؤساؤكم قد أباحوا دماءكم وجماجمكم وجماجم أهليكم..
يا قوم.. الـ"سي آي إيه" على اتفاق مع مافيا المخدرات في صقلية لاستباحة دمائكم وموتاكم للمافيا مقابل أن يعاونوهم على إيقاف المد الشيوعي فيها، تلك الحرب الباردة لم تكن باردة عليكم؛ بل إبادة أحيائكم وموتاكم.
بدا القوم يرون في كلامه شيئاً من الصدق، فنادى أحدهم: لن نخسر شيئاً لو فتحنا قبرين أو ثلاثة.
فتحوا القبور فوجدوا معظمها فارغة من الجماجم!
قام بالتصوير ومعاينة الموقع وملابساته كلُّ وكالات الأخبار، وخاصة "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز".
وفي صباح اليوم التالي، صدرت الصحف تكبُّ جامّ غضبها على النظام الفيدرالي كله. وقد تصدّرت الصحف الأميركية عناوين وصور حول الحدث برمته، من البداية إلى لحظة كشف الحقيقة جلية، وكانت معظمها عناوين وصوراً ساخرة.
عناوين: المؤامرة السوداء – وحش التفرقة العنصرية يلتهم السود- جماجم الآباء في خياشيم أُنوف الأبناء – الشعب الأميركي يأكل نفسه – رقصات الأبناء على ملهى آبائهم – أرواح الأموات تستعمر أُنوف الأحياء – الأموات تحيا لتتحد مع الأنوف – الهيروين والجماجم – لا بد من محاكمة كل من ضلع في تلك المؤامرة الخسيسة.
عنوان هام: لا بد من الثورة وقلب النظام بأكمله.
ومن الصور: صورة لرجل أسود يشم جمجمة والده ويلتذ – الولايات المذكورة في صورة تعلوها علامات المقابر ومدوّن بها "هيا تعالوا إلى الكيف" – جماجم يطأها دانتي وفي إحدى يديه دولارات والأُخرى حفنة هيروين… إلخ.
تعاطف البيض لأول مرة مع السود واعتصموا، واصطفَّ الشعب الأميركي كله منادياً بشعارات ثورية تطالب بقلب نظام الحكم كله ومحاكمة المسؤولين عن هذه المهزلة.
قامت الشرطة بالقبض على مثيري الشغب وإيداعهم في السجن؛ كي يرتدع باقي الثوار.
كما تم إلقاء القبض على جاك وإيداعه في مستشفى الأمراض العقلية.. قالت الـ"سي آي إيه" إن جاك يعاني اضطرابات نفسية حادة من صغره، ولقد وفدتنا أخبار من الأطباء النفسيين كلهم بذلك.
بعد إيداعه بيومين، وُجِد َمشنوقاً في حجرته، وتصدرت الصحف خبر انتحاره وتلقاه الناس -للأسف- ما بين مصدق ومرتاب.
قُتل جاك في محبسه النفسي شنقاً وادُّعِيَ عليه بالجنون؛ لدرء الشبهة عنهم وتلميع صورة الـ"سي آي إيه".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.