اقتصاد الديكتاتور

تكون النظم الاستبدادية دائماً خياراً مكلفاً لشعوبها، فمتلازمة الاستبداد والفقر في النظم الديكتاتورية لا تفترق.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 01:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 01:48 بتوقيت غرينتش

من الطبيعي أن يحجم الاستثمار عن المجيء إلى النظم الديكتاتورية الشمولية؛ لأن رأس المال بطبيعته جبان، فلا يأمن المستثمر أن يلقي بأمواله إلى نظام يتعرض فيه للمضايقات الأمنية وانتشار الفساد وعدم ضمان نزاهة تطبيق القانون.

لذلك تكون النظم الاستبدادية دائماً خياراً مكلفاً لشعوبها، فمتلازمة الاستبداد والفقر في النظم الديكتاتورية لا تفترق.

فبخلاف إحجام الاستثمار عن المجيء للنظم الاستبدادية فإن عدم الاستماع للرأي الآخر أو سماع صوت المعارضة يؤثر على صناعة القرار الاقتصادي السليم، فلا تتبين النظم من خطأ قرارات اقتصادية معينة وتأثيرها؛ لأنها دائماً تستمع إلى الرأي المؤيد والمبارك لهذه الإجراءات أو القرارات المتخذة.

بخلاف أن غياب المعارضة في النظم الاستبدادية يعني غياب الرقابة والمحاسبة، وبالتالي انتشار الفساد الذي يعني مزيداً من الفقر المصاحب للنظم الاستبدادية.

معظم النظم الديكتاتورية تتجه إلى اتباع النظام الشيوعي أو الاشتراكي، أو التوسع في دور الدولة في النشاط الاقتصادي؛ لأنها تعلم أن الاستثمار سيحجم عن العمل في السوق في ظل التضييق الأمني والاستبداد السياسي.

فمثلاً عندما جاء عبد الناصر وكان يتبع النظام الاستبدادي، فكان لا بد للدولة من أن تتجه نحو النظام الاشتراكي كنظام اقتصادي؛ لأن الاستثمار قد أحجم بالفعل بعد عام 1952 عن التوسع والاستمرار في النشاط الاقتصادي.

وإذا أخذنا مثالاً على الديكتاتوريات العالمية، فعلى سبيل المثال عندما وصل هتلر إلى الحكم اتخذ النظام الاشتراكي وتوسّع دور الدولة في إنشاء الصناعات وسيطرتها على كل نواحي الاقتصاد.

وخير مثال في التاريخ هو ديكتاتوريات الاتحاد السوفييتي لينين وستالين وخرتشوف وبريجينيف فقد كانت عقيدتهم الاقتصادية الاشتراكية الشيوعية.

لذلك فإن النظام الاقتصادي المناسب للحكم الاستبدادى يميل في الغالب إلى أن يكون اشتراكياً؛ لأن القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي والمحلي يتراجع في أجواء الحكم الاستبدادي؛ لانعدام الثقة وانتشار الفساد وعدم نزاهة تطبيق القانون.

ولكن بعض النظم تُخطئ عندما تتبع النظام الاستبدادي الديكتاتوري في الحكم، وتتبع معه في نفس الوقت النظام الرأسمالي في إدارة الاقتصاد فيكون ذلك بمثابة الحكم بالإعدام على قطاعات كبيرة من الشعب.

لأنه كما ذكرنا فإن الاستثمار سيُحجم عن المجيء للنظم الاستبدادية، وفي الناحية الأخرى عندما تتبع الدولة النظام الرأسمالي، فتتخلى عن دورها في توفير الوظائف وتقديم الدعم وبالتالي، فإن المواطن في النظام الرأسمالي الاستبدادي يجد نفسه مخنوقاً وعاجزاً، فلا الدولة تقدم له وظائف أو دعماً أو تعليماً جيداً.

ولا الاستثمار الخاص جاء ليوفر هذه الوظائف ويقوم بدوره في الاقتصاد؛ لأنه يخشى العمل في مثل هذه البيئة كما ذكرنا؛ لذلك فأغلب الدول التي تتبع النظام الاستبدادي في الحكم مع النظام الرأسمالي في الاقتصاد تواجه في نهاية الأمر ثورات شعبية تطيح بها من الحكم.

فعلى سبيل المثال، ما حدث مع الديكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه؛ حيث اتبع بينوشيه نظاماً اقتصادياً رأسمالياً بحتاً، وفي نفس الوقت اتخذ الديكتاتورية الاستبدادية كنظام للحكم والإدارة، فما كان من هذه السياسات إلا أنها كانت وقوداً لحركة معارضة قادت لإنهاء حكمه بعد صراع بينه وبين المعارضة، وترك الحكم عام 1990 ثم تم اعتقاله بعد ذلك.

لا شكَّ أن الدول التي تتبع النظام الاستبدادى لا بد أن توفر للشعب جزءاً من الرفاهية الاجتماعية التي تجعله يتغاضى عن حقوقه السياسية، فاذا كانت الدولة توفر في النظم الاشتراكية المسكن المناسب والعلاج والتعليم فسيتغاضى كثير من الشعب عن حقوقه السياسية، كما يحدث في بعض الدول النفطية في الخليج العربي التي توفر الرفاهية الاجتماعية لشعوبها فلا يهتم الأفراد بالحقوق السياسية والديمقراطية.

لذلك تكون الديكتاتورية مكلفة؛ لأنها تفترض زيادة مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي؛ لإرضاء قطاعات الشعب لتتغاضى عن حقوقها السياسية.

أما بعض الدول الأخرى التي تتبع المتضادين الديكتاتورية والرأسمالية، فهذه النظم يكون محكوماً عليها بالفناء وقيام الثورات الشعبية ضدها.

لذلك تشجع الدول الرأسمالية الكبرى اتباع النظم الديمقراطية في الحكم، وذلك ليسهل لشركاتهم ومؤسساتهم أن تتوسع وتتمدد إلى هذه الدول؛ لأن الدول الرأسمالية الكبرى تدرك أن شركاتها لا يمكن أن تعمل بشكل جيد في إطار نظم شمولية وديكتاتورية لا توجد ضمانة لديها لتطبيق القانون ومحاربة الفساد، وبالتالي فإن الاستثمار الخاص سيُحجم عن المجيء والتعامل في ظل هذه الظروف.

فالديمقراطية والرأسمالية متلازمتان، كما أن الديكتاتورية والفقر متلازمتان أيضاً. أما الديكتاتورية والرأسمالية فهما متعارضتان تقودان إلى ثورات شعبية تعقبها نظم اشتراكية تتبع مراعاة البعد الاجتماعي وتوفير جزء من الرفاهية الاجتماعية كتعويض للشعب عما عاناه في الفترة السابقة.

تحميل المزيد