إلى متى أكون نصف مواطن؟

أنا إنسان، لديَّ كل الشروط الإنسانية فهي مختومة في جسدي، ولم أعرف يوماً أن هناك إنسانية أحسن من التي أنا منها، فالجميع من أشكالي اعتبرتهم مثلي وأنا مثلهم، ولم يبدر في ذهني يوماً أن أشرد وأذل، وأكون منبوذاً بين بني قومي، ولم أفهم إلى الآن سبب إبعادهم وجفائهم لي، أعجب وأحزن ولا أفهم شيئاً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 23:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 23:55 بتوقيت غرينتش

كلنا أبناء بني آدم، وآدم من تراب، فالأصل واحد، ومنه خُلقنا، وإليه ننتهي.

أنا إنسان، لديَّ كل الشروط الإنسانية فهي مختومة في جسدي، ولم أعرف يوماً أن هناك إنسانية أحسن من التي أنا منها، فالجميع من أشكالي اعتبرتهم مثلي وأنا مثلهم، ولم يبدر في ذهني يوماً أن أشرد وأذل، وأكون منبوذاً بين بني قومي، ولم أفهم إلى الآن سبب إبعادهم وجفائهم لي، أعجب وأحزن ولا أفهم شيئاً.

قالوا لي: لونك لم يكمل شروط إنسانيتك، ولم يعد مرحَّباً بك بيننا، فرفقتك معنا مَعيبة لا تنفك عنا، فابتعِد عنا ولا تنتسب إلينا، فمثلك الضواحي والأزقة تناسبه، ولا يوجد لديك موضع استقرار بيننا.. سألتهم: ما العيب؟ وما العلّة في لوني؟ قالوا: لا نعرف!

طلبت حقوقي، ورغبت في السلام والحياة، فقلت: أليس لي منصب أطلب من خلاله حقي، ويكون لي صوت يمثّلني ويعطيني حق الوجود والقرار، فأنا لست طالباً سلب حقوق الغير، فما طلبي سوى إثبات الوجود وإظهار اسمي بين يدي هذا الإنسان في هذه البقعة من أرض الله؟!

فأعطوني جواباً قطعَ الوصل بيني وبينهم، حينما قالوا: "أنت نصف مواطن/مواطن من الدرجة الثانية"، فلا حق لك في الجلوس معنا لتقرير المصير ولطلب حقوقك، فأنت معنا ولكن جزئياً، فما عليك إلا الوجود والاستماع، فلا الرفض أو الاعتراض من شيمك وأدبك.

عجباً لأمري، فمع أني مِن خلقِ الله تعالى، وأعتنق دين الإسلام وأؤمن بالنبي المختار عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فإنني غير مكتمل، بسبب العشيرة التي أنتمي إليها وبسبب لوني وشعري ومظهري، فلم أجد تقديراً وتكريماً، لا بسبب ديني ولا بإنسانيتي، فكل الطرق إلى العنصرية ذاهبة، وكلام ربنا كأنه ليس في الفؤاد حاضراً وموقَّراً.

لا أغضب ولا أتعصب، فإني بكلام الله متمسك وبدينه معتنق، وسيأتي يوم يفرق الله بين عباده بموازين أكثر حكمة وإلهية، وعند الحساب سيحاسب ربي يومئذ كل مَن استهزأ بخِلقتي وبشخصيتي، وسيكون مقياس الميزان "إنَّ أكرمَكُم عند الله أتقاكم".

حينها، سوف يفهم ضعفاء القلوب وقليلو الإيمان أن الله خلق الإنسان ليعمّر الأرض وليعبده إلى أن تأتيه المَنيَّة، وأن الشكل والجاه والمال كانت مجرد أشياء زائلة والباقي التقوى، في هذا الوقت لا رجوع إلى الوراء فقد قدموا أعمالهم.

وأخيراً.. المتعصب العنصري هو ضعيف النفس وجاهل العقل؛ لأنه يفقد ركائز أساسية في الحياة، ألا وهي قبول الآخر، وأن الحياة بالتنوع تتقدم وتزدهر.. فمجرد تسميات ومعتقدات باطلة وحدها لا تكفي لإبعاد إنسان أو التقرب إليه، فالمقاييس أعظم وأجلّ من ذلك، فحسن الطبع والمَعشر والشهامة والفطنة وما إلى ذلك من الصفات الحميدة للإنسان هي التي تقيّم شخصية الإنسان، فسوف يعيش المتعصب والعنصري حياة بائسة لا راحة ولا مشاعر فيها، وغيره يتنعم بالمحبّة وطلاقة الوجوه والقلوب الكبيرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد