من قال أن العبودية إنتهت

هل انتهت العبودية؟ هل عاد البشر أحراراً كما ولدتهم أمهاتهم أم أنهم صاروا مستعبَدين أكثر من قبل؟ هل أنعشت الرأسمالية حرية الفرد؟ وهل كانت الشيوعية قاسيةً في حق الحريات والحقوق والواجبات؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/20 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/20 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش

هل انتهت العبودية؟ هل عاد البشر أحراراً كما ولدتهم أمهاتهم أم أنهم صاروا مستعبَدين أكثر من قبل؟ هل أنعشت الرأسمالية حرية الفرد؟ وهل كانت الشيوعية قاسيةً في حق الحريات والحقوق والواجبات؟

يتراءى لدى البعض أنهم مستضعفون في بلدانهم، أو بمفردات أخرى، محتقرون ومهمَّشون، وترى أنت الذي تقرأ الآن أنك كذلك ضعيف وغير قادر على تقديم أي شيء يُذكَر، وأن لك العديد من المطالَب لم تتحقق، وعدد من الأماني لربما تتمناها، ولن تبلغها ببلدك الذي تعيش فيه، أتدري لماذا؟ لأنك بكل بساطة مستعبَد.

قديماً كان الإنسان سيدَ نفسه، يُطعم أهله مما يجنيه من أرضه، ويلبس ثيابه مما خاطت له زوجته وأبناؤه، يدرسون عند مَن أوتوا العلم مجاناً، كان كل شيء تأتي به تكون أنت سبباً فيه، ولا تنتظر دنانير تُغدق عليك حتى تقضي حاجياتك.

نعم أنا وأنت وجميع مَن في الأرض مستعبَدون، يستعبدنا حكامنا فيضعون لنا القوانين؛ كي نعيش بها، ويسمّون لنا المدارس والجامعات وندفع أجرة النقل والدراسة للحاكم، وندفع ثمن الأكل وتنقص قيمة أموالنا نتيجة للتضخم وأخطاء الحاكم في التسيير، فيدفع المواطن ثمن الخطأ الشنيع، ولكن لا يمكنك انتقاد الحاكم، ببساطة لأنك عَبْدٌ مملوك.

والدليل القاطع على ذلك ذكَره التاريخ، لما قامت الشعوب فخرج الحكام قاتلين شعوبهم وساجنين إياهم بمختلف السجون، ومعذبين إياهم بمختلف الوسائل، ببساطة لأنه يراك عبداً اشتراك أنت وأرضك، ويرى في مطالبك إزعاجاً له، وتمرداً من العبد على مالكه كتمرّد بلال الحبشي -رضي الله عنه وأرضاه- على قريش، ليس جيداً أن نضرب المثل في العبودية بصحابي جليل، ولكن المعنى الباطن جميل، فبلال تمرَّد على قريش من أجل حق بيّن، وهو الدخول في دين الله، وهو كذلك تمرّدك على حاكمك، فمطالبك تتمثل في حق العيش الكريم، لكن وبحكم أنك مستضعَف سترى الويلات، ولن يوجد عثمان كي ينقذك منهم.

وما يزيد الطين بلةً هي الرأسمالية والمؤسسات الخاصة كرَّست شيئاً جديداً، فبعدما كان الحاكم المالك الوحيد صار حتى أصحاب كبريات الشركات مُلاكاً لنا، وعلينا فهم مَن يُسيّرون حياتنا ويملكون طعامنا ونعمل عندهم ساعات وساعات، وأحياناً أشهراً وسنوات، وحتى هناك مَن منا لقي حتفه بعمله، فتدفع التأمينات لعائلتك ثمن موتك، والمشكلة أنها ليست الشركة من دفعت ولا مالكها، بل كان عبارة عن خصوم شهرية أُخذت من راتبك، وأحياناً في بعض الدول تدفع الشركة كذلك ثمن مصرعك، ولكن هل حياتك تساوي ديناراً؟ وهل يعوض المال فقدان عائلتك لك؟ ولكن بحكم أنهم يرونك عبداً، فإنهم يَرَوْن عائلتك كذلك عباداً لهم، فيظنون أنهم سيشترونهم بدنانيرهم.

قد يرى البعض أن مفهومي وتفسيري خاطئان، وأنني قاسٍ جداً في وصف حياتنا، ولكنها الحقيقة، كل مَن في الأرض مستعبد، فموارد الأرض تكفينا جميعاً، نحن التسعة مليارات لنعيش منها مجاناً، ونصنع منها مجاناً، فلماذا الأموال؟ ولماذا الحكام؟ فكل شعب قادر على أن يسير نفسه، وكل إنسان قادر على أن يعيش مما تُخرج أرضه، وكل عالم قادر على أن يصنع مما يوجد بباطنها أو بما فوقها ومجاناً، فلماذا الأموال والمشكل كذلك أنهم فرضوا حدوداً بين بني البشر وأغلقت عليهم كل المنافذ، وفرضوا التأشيرات لمن أراد أن يدخل أراضيهم، وكل ذلك دون موافقة شعوبهم، أتعلم لماذا؟ لأن البشر أحرار ويرغبون في رؤية بني جنسهم، ولكنهم حرّموه؛ لأنه عبد له، ويخافون اختلاطه بباقي العباد.

إننا أصبحنا عنصريين، فلا يمكن لطفل أبيض ذي سنتين أن يكره طفلاً أسود في مثل سنّه، بل إن تركتهما معاً ستجدهما يلعبان ويضحكان، ولكن ما إن يكبرا حتى يتنافرا، ببساطة لأن الأسود تُعلمه عائلته كُره الأبيض، وعائلة الطفل الأبيض تُلقنه نفس الدرس.

وكلتا العائلتين تلقّت تعليماً من الحاكم بنبذ مَن يختلف في اللون عنها، فصرنا منعزلين متنافرين.

هناك مَن يسعى حقاً لإحلال السلام، وفتح الحدود وتوحيد الشعوب، وألا تكون حكومات قاتلة مستبدة، بل يكون الرئيس والوزير يعملان لدى الشعب، وحتى المفهوم يجب أن يتغير من رئيس الشعب إلى خادم الشعب.

ما جعلني أكتب هذا الكلام وبكل أريحية أقولها: إنني لأَجِد نفسي مثلكم مستعبداً فقررت أن أشاطركم كيف نُستعبَد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد