“الألتراس” في المغرب.. بين صنع الاحتفالية وممارسة الشغب

ثمة وجه آخر لـ"الألتراس"؛ إذ يرى بعض المتتبعين للشأن الكروي المغربي، أن هذه الفصائل أصبحت أيضاً تشكل مصدراً للشغب والعنف والحوادث المؤلمة في الملاعب.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/18 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/18 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش

هم شباب مغاربة في مقتبل العمر ومن فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، ومعظمهم ينحدر من أحياء شعبية، اختاروا مناصرة أنديتهم وفرقهم المفضلة بشكل جماعي، بعيداً عن الطرق التقليدية والمألوفة، حيث إنهم انخرطوا داخل كيان يسمى "الألتراس"، فبادروا إلى ابتداع مراسم جديدة ومنظَّمة في التشجيع، وتقديم كل وسائل الدعم لأنديتهم في جميع الأحوال والأماكن.

لكن في المقابل، ثمة وجه آخر لـ"الألتراس"؛ إذ يرى بعض المتتبعين للشأن الكروي المغربي، أن هذه الفصائل أصبحت أيضاً تشكل مصدراً للشغب والعنف والحوادث المؤلمة في الملاعب.

ظهور فصائل "الألتراس" في المغرب

يعود تاريخ ميلاد رابطة المشجعين (الألتراس) في المغرب إلى سنة 2005؛ إذ تأسست عدة فصائل آنذاك، ويتعلق الأمر بـ"ألتراس كرين بويز" الذي يناصر فريق الرجاء البيضاوي، و"ألتراس عسكري" الذي يدعم فريق الجيش الملكي، بالإضافة إلى "ألتراس وينرز"، الذي يساند فريق الوداد البيضاوي.

واستمر بعد ذلك ظهور العديد من الفصائل الأخرى في السنوات الموالية، توزعت بين البطولة الاحترافية وأقسام الهواة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "ألتراس إمازيغن" المناصر لفريق حسنية أكادير، و"ألتراس فتال تايكرز" الذي يشجع فريق المغرب الفاسي، ثم "ألتراس ريد بيرات" الداعم لفريق جمعية سلا، فضلاً عن "ألتراس ريد مان" المساند لفريق النادي المكناسي.

وقد استطاعت هذه الفصائل، في وقت وجيز، استقطاب أعداد كبيرة من الشباب، ويرجع ذلك إلى التأثير الواضح للمبادئ الراسخة التي قامت عليها عقلية "الألتراس"، حيث إن هذه المجموعات ذات بنْية تنظيمية متميزة ومغايرة عن بنية الهيئات التقليدية المعروفة من قبيل: الأحزاب السياسية والنقابات وهيئات المجتمع المدني وغيرها.

من يمول أنشطة فصائل "الألتراس"؟

على غرار حركة "الألتراس" في العالم، تعتمد فصائل "الألتراس" المغربية في تمويل أنشطتها ورحلاتها، في غالب الأحيان، على التمويل الذاتي، وذلك من أجل تحقيق الاستقلال المادي، الذي يعد من أهم مبادئ "الألتراس".

وتحصل فصائل "الألتراس" المغربية على الموارد المالية من خلال المساهمات الفردية التي يقدمها الأعضاء، وكذا العائدات التي تجنيها من عملية بيع منتجاتها مثل: الأعلام وألوان الفريق والقبعات والشارات والأسطوانات التي تحتوي على أغاني الفصيل.

لكن، تشير بعض المصادر إلى أن هناك فصائل من "الألتراس"، خصوصاً في أقسام الهواة، تتلقى دعماً مباشراً من لدن المكاتب المسيّرة للفرق لتشجيع الفصائل على الاستمرار في مساندة الفريق.

الألتراس" وصنع الاحتفالية في المدرجات

شعارات وأغانٍ وأهازيج بصوت واحد على مدار 90 دقيقة، لوحات فنية "تيفوات" وحركات منسقة ومنظمة، كلها مظاهر تشجيع جديدة اجتاحت الملاعب المغربية منذ ظهور فصائل "الألتراس"، وأضفت عليها رونقاً خاصاً وجماليةً كبيرة، وجعلت الأعين تنبهر مما يصنعه شباب "الألتراس".

قبل كل مقابلة، يجتمع أعضاء الفصيل للتحضير للأنشطة الاحتفالية المزمع تنظيمها داخل الملعب، ويوزعون المهام فيما بينهم، وفي هذا الإطار يقول عضو من "ألتراس وينرز"، متحدثاً عن كواليس إعداد اللوحات الفنية (تيفوات) التي تزين المدرجات: "إننا حين نقرر رفع لوحة فنية (تيفو) في مقابلة ما، فإننا نجتمع ونحضر اللوازم المطلوبة ونقضي الليلة التي تسبق المقابلة في الملعب لإعداده".

أما يوم المقابلة، يسهر القائد أو "الكابو" -كما يسميه أعضاء "الألتراس"- على توجيه الأنشطة الاحتفالية لفصائل "الألتراس" خلال 90 دقيقة، ويتم اختياره من لدن أعضاء الفصيل ضمن الأعضاء البارزين الذين يتوفرون على كاريزما قوية لقيادة الفصيل وإبراز أنشطته وتلميع صورته في مواجهة الفصائل الأخرى بمدرجات الملعب.

وتركز فصائل "الألتراس" على الحضور المكثف والمستمر للمباريات؛ وذلك من أجل خلق أجواء احتفالية تلهب المدرجات وتزيد من حماسة اللاعبين لتحقيق الانتصار؛ إذ يؤكد عضو من "ألتراس عسكري" أن "الفيراجيست" أو عضو "الألتراس" لديه فكرة واحدة، وهي تشجيع الفريق طيلة 90 دقيقة دون توقف.

"الألتراس" وظاهرة الشغب في الملاعب

في يوم الأحد 25 فبراير/شباط من السنة الجارية (2018)، شهدت مباراة فريق الرجاء البيضاوي والكوكب المراكشي، أحداث شغب وتخريب مأساوية، وذلك حينما أقدم محسوبون على جماهير الرجاء الرياضي على اقتلاع الكراسي من المدرجات ورشق رجال الأمن بها.

هذه الواقعة أعادت النقاش حول علاقة فصائل "الألتراس" بأعمال الشغب؛ إذ ليست هذه هي المرة الأولى؛ بل سجلت العديد من أحداث الشغب بالملاعب منذ ظهور "الألتراس" في المغرب، وكان أبرزها ما بات يُعرف بـ"السبت الأسود"، حيث إن شخصين لقيا حتفهما، وأصيب أكثر من 50 مشجعاً خلال مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، يوم 19 مارس/آذار 2016.

وفي الوقت الذي يربط فيه بعض الباحثين في السياسات الرياضية ظاهرة الشغب بفصائل "الألتراس"، فإن أعضاء هذه الأخيرة يستنكرون ذلك، حيث إن عضواً من "ألتراس هيركوليس" المناصر لفريق اتحاد طنجة، يرى أن "الشغب في الملاعب كان موجوداً قبل بروز ظاهرة الألتراس"، مؤكداً أن "أول متضرر من الشغب والعنف هم فصائل (الألتراس) أنفسهم".

وتابع متسائلاً: "كيف يُعقل أن نواة فصائل (الألتراس)، التي تتكون من أطر وطلبة في المستوى، أن يقوموا بأعمال الشغب؟".

من جانبه، يرى أحد أعضاء "ألتراس ريد ريبلز" الذي يساند فريق حسنية أكادير، أن "إلصاق فكرة العنف ضد فصائل (الألتراس) أمر مرفوض جداً"، مضيفاً أن أغلب المنتسبين إلى "الألتراس" يمارسون التشجيع بطرق حضارية، ويحرصون على التعبير عن رسائلهم داخل الملاعب بشكل سلمي.

وقال إن "الملعب يعد فضاءً، يمارس فيه المنتسبون إلى (الألتراس) حرية التعبير، لتفريغ مكبوتاتهم وتفجير طاقاتهم وسخطهم على الأوضاع العامة".

وهو الأمر ذاته الذي يؤكده عمر بولوز، الباحث في مجال السوسيولوجيا، حيث إنه قال إن "الألتراس" فضاء للشباب للتعبير عن همومهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية"، مبرزاً أن "الألتراس بمثابة حركة اجتماعية تتخذ شكلاً جديداً يتناسب مع التغيرات الاجتماعية المتجددة بالدول التي عاشت مخاض ما اصطلح عليه (الربيع الديمقراطي)".

وعن علاقة "الألتراس" بظاهرة الشغب، يقول الباحث: "إن المسؤول عن الشغب هو نظام الدولة والمدرسة"، مضيفاً أن "الألتراس" ليس جماعة من خارج المجتمع؛ بل هو من صلبه.

حظر "الألتراس" وتجميد أنشطته

عقب أحداث العنف والشغب التي شهدتها مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء في مارس/آذار 2016، صدر عن وزارة الداخلية المغربية قرار بمنع فصائل "الألتراس" في المغرب.

وتصدى اتحاد فصائل "الألتراس" لهذا القرار بمقاطعة جميع المباريات عدة أشهر، لكنه عاد بعدها بزخم أقل، حيث إن مراسم الاحتفال والفرجة واللوحات الفنية المعهودة، التي لطالما أنست عشاق الكرة المغربية رتابة الكثير من المباريات التي تجري فوق المستطيل الأخضر، وخصوصاً لقاءات الديربي- غابت عن الملاعب الرياضية.

وفي هذا الصدد، يقول أحد أعضاء "ألتراس عسكري"، المناصر لفريق الجيش الملكي، "إن الفرجة في المدرجات، بعد صدور قرار المنع، لم تعد مثل السابق"، مضيفاً: "كنا في المواسم الماضية، نتمتع بِحُرية وراحة كبيرة في التشجيع عكس الوقت الراهن؛ إذ اختفت جُل أشكال الاحتفال؛ بسبب الخوف من السلطة".

وتابع: "نتمنى من السلطات المكلفة أن تجد حلاً في المستقبل؛ لأننا منخرطون في المنظومة الكروية بالمغرب".

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب حاول التصدي لظاهرة الشغب في الملاعب، عبر القيام بحملات تحسيسية وتوعية المشجعين بخطورة هذه الظاهرة، واعتمد كذلك مقاربة أمنية استباقية في التعامل معها من جهة. ومن جهة ثانية، عمل المغرب على إخراج قانون 09.09 لمكافحة العنف داخل الملاعب، والذي قام بتعديل وتتميم القانون الجنائي من خلال إضافة بعض الفصول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد