ما يمكن فهمه وتصديقه أن أي امرأة تتمتع بالقوة والصمود والعزيمة، لم يكن ذلك بمحض الصدفة، وإنما هو حصيلة تجارب وخبرات حياتية لم تكن سهلة على الإطلاق.
ولكن القارئ لسطور رواية "لست امرأة عادية" للكاتبة الفلسطينية آلاء حسونة، يجعله يستوقف للحظات، ويلامس مدى النضوج الفكري التي تتمتع به الكاتبة رغم صغر سنها، فهذا إن دلّ فهو يدل على براعة المرأة الفلسطينية وقوتها التي تنشأ من الواقع الذى تعيشه.
ففي طيات روايتها استطاعت أن تخط أناملها الكثير من العِبَر والنصائح الجمة، وقد استندت إلى نصوص من القرآن الكريم والحديث الشريف في سرد أحداث الرواية، التي تحكي عن قصة سيدة تدعى فريهان، وهي زوجة مسلوبة الحقوق، ضعيفة ومهمشة، علاوة على معاملة زوجها لها فقد كان يسيء معاملتها، فقد عانت من الظلم والاستبداد والنظرة الدونية لها كونها غير متعلمة وغير مثقفة ولا تناسب مركزه الاجتماعي الذي يتمتع به، فلا عجب لرجال كثر في مجتمعاتنا الشرقية أن يتزوج أحدهم من امرأة أقل منه في المستوى التعليمي والاجتماعي، ويخاف الارتباط بامرأة ذكية ومثقفة ولها دور فعال في المجتمع، فهو فقط يعجب بها من بعيد، لكنه يفكر ألف مرة قبل الارتباط بامرأة ذكية ومثقفة؛ حيث تمثل مصدر قلق له.
مما يثير الدهشة أن رجالاً واعين ومثقفين وواجهات اجتماعية وسياسية أصبحوا يحملون هذا الخوف، وتختفي مدنيتهم وعقلياتهم المنفتحة والواعية عند اختيار شريكات حياتهم، فتخيفهم المرأة المستقلة، وثبتت في أذهان الرجال أن المرأة منتقصة الحقوق يجب أن تنطوي تحت جناح رجل مهما كانت أخطاؤه وسيئاته، ومهما حدث ستبقى تحت رحمته.
ولا يدرك الرجل أن إهمال المرأة كعقل وكشريك فاعل في الحياة وكإنسانة نزيهة ومستقيمة، يعتبر أحد المزالق الكبرى التي تضاف إلى سجلات التقهقر الحضاري.
فتركيز الرجل على بُعد واحد في المرأة مسألة جليلة الخطر، تقلل من شأن المرأة ومن وظيفتها الاجتماعية والاقتصادية والروحية، ولا تترك مجالاً فسيحاً لوضع المرأة في النسق الاجتماعي؛ حيث إن الوعي الزائف الذي نشأ عن نزر منهن، يتحمل الرجل جزءاً أعظم منه، فالوعي الخادع بنظراته الاستصغارية للمرأة، وغلاظة تعامل بعض الرجال معها، لم يساعدها على صيانة النفس من الغواية، فبدلاً من أن تعتمد الفتاة على مرونة ذهنها وسعة ثقافتها وجمال روحها ورقة ابتسامتها، نجدها تعتمد على كثرة ملابسها والتصنع في شعرها، وبدلاً من أن توسع آفاق فكرها بالمعرفة والعلم تلهث وراء البهرجات، وتثقل نفسها بالجري وراء آخر صرعات الموضة في الملبوسات وألوان الطعوم والمشروبات والتسوق المبالغ فيه.
ولكن ما كان مختلفاً في رواية "لست امرأة عادية" أن بطلة الرواية فريهان رغم تحملها لكل الظروف القاهرة التي أحاطت بها وكل محاولاتها لنيل إعجاب زوجها التي باءت بالفشل، وانتهت بالطلاق، إلا أنها في آخر الرواية تُظهر الكاتبة القوة الحقيقية للمرأة الكامنة داخل فريهان عندما قررت بتغيير حياتها رأساً على عقب.
فقد أصبحت امرأة مجتمع متعلمة ومثقفة ونالت الشهرة في مجال الفن التشكيلي، وكانت بذلك قد خرجت عن صمتها وضعفها وحاربت وعافرت ظروف حياتها المليئة بالأحداث القاسية، ولم تستسلم أبداً ولم ترضَ بالذل والهوان.
وتحدثت الكاتبة في الرواية أن المرأة وحدها باستطاعتها قلب الموازين، وعليها بالبحث عن الأنثى الموهوبة الطموحة المتألقة داخل كينونتها، وأنه بإمكانها أن تحول نفسها إلى امرأة لا تتكرر بالتاريخ، فعليها أن تزيل مساحيق البؤس، وأن تعيد إضافة مساحيق الحياة لوجهها التي تضاهي مساحيق التجميل، وأن المرأة بمقدورها أن ترفع سقف خيالها، وأن تكون على يقين بأن كل ما تطمح إليه سيتحول إلى حقيقة بإرادتها وعزيمتها وصمودها وقوتها، كما ذكرت الكاتبة في الرواية أنه على المرأة أن تدرك تماماً أننا خلقنا متساوين مع فروق فردية في الذكاء وغيره، وهذا لا يعني أن الناجحين وجدوا طريقهم ممهداً، فقد سلكوه بالفطنة والحكمة.
يُذكَر أن الكاتبة الفلسطينية آلاء طلال حسونة نشأت وترعرعت في مدينة غزة المحاصرة، وأنه صدر لها مؤلفات أخرى منها "أشباه الرجال" و"شاي من غير سكر".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.