لا يزال المحتوى العربيّ المنشور على الإنترنت يعاني فقراً شديداً يحول دون حصول القارئين باللغة العربية على الحد الأدنى من متطلباتهم البحثية، كما يعوق كثيراً الراغبين في التعرف على الحضارة العربية بلسان أصحابها.
ومكمن الخطورة هنا عجز المواطن العربي عن استكمال عُدته المعرفية بلغته الأصيلة، وما يترتب على ذلك من تراجع في المستويات الثقافية والمعرفية، فضلاً عمّا تولده حتمية الاتصال مع الثقافات الأجنبية من احتمال التبعية الفكرية ومشاعر الدونية واستصغار الشأن على مستوى الذات والأمة.
من ناحية أخرى، فإن عجز الحضارة العربية عن التعبير عن نفسها بنفسها يجعل رؤية الباحثين والدارسين والمؤرخين رهينة بما يدوّنه الآخرون الذين قد ينصفون أو يحيفون.
ومن هنا فإن الدعوة إلى إثراء المحتوى العربي بالتدوين على الإنترنت دعوة للحفاظ على الهوية العربية، وصيانة للعقل الجمعي، وفرصة لا بد أن تغتنم لتجلية الدور الحقيقي للعرب وحضارتهم في صناعة المدنيّة العالمية.
أهمية التدوين
بالإضافة إلى الهدف الأسمى المتعلق بإثراء المحتوى العربيّ على الإنترنت وزيادة فاعليته وجودته ليتناسب مع تاريخ الأمّة وإنجازاتها؛ فإن للتدوين ميزات أخرى لا تقلّ أهميّة، ودوافع محفزة تجعل البعض يرى فيه الحل النموذج لعملية صناعة الوعي في ظل قهر الأنظمة الديكتاتورية، وتحديات النشر الورقيّ، وصعوبة التواجد في دوائر التأثير.
لماذا يجب أن تدوّن الآن؟
رتق الهوة المعرفية
لكلّ منّا مجال خبرات ومعارف يحتاج الآخرون إليه، وسواء كنت في ميدان التقنية، أو التعليم، أو القانون، أو السفر والسياحة، أو التجارة والأعمال، أو الآداب والفنون، أو الموضات والأزياء، أو الطهو، أو الترفيه أو غير ذلك؛ فهناك في وطنك العربيّ من يفتقر إلى تجاربك.
عندما تبدأ مع غيرك في التدوين حول الموضوعات محلّ الدراية يتكون لدينا نحن العرب مراجع ومصادر شديدة الصلة ببيئتنا، متسقة مع شريعتنا وأعرافنا، ومن ثمّ يسهل على الأفراد والمؤسسات الاستفادة منها، والبناء عليها وتنميتها.
بناء وعي الأمة
هل تزعجك سلوكيات في وطنك وبلدك؟ هل تنتقد تفاعل الشباب العربي مع المسائل المصيرية للأمّة؟ هل ترغب في إلقاء الضوء حول بعض القضايا الاجتماعية؟ هل ترغب في إحياء فكرة أو توجيه الناس إلى قضية بيئية أو سياسية أو إنسانية؟ – التدوين يساعدك على فعل ذلك؛ في كل مرة تكتب حول ما يؤرقك تلقي حجراً يصنع دوائر صغيرة متداخلة في البحيرة الراكدة، ويلهم المعنيين فيلقون أحجارهم حتى تصبح الدوائر الصغيرة طوفاناً يلفت انتباه العالم.
بثّ المشاعر
ليس ضرورياً أن تقود كتاباتك إلى إشعال ثورة؛ وليس مطلوباً منك أن تبتكر نظرية؛ يكفيك أن تخلّد مشاعرك المتفردة، وتشارك غيرك انفعالاتك وعواطفك.
اكتب عن الأشياء التي تخيفك، والأماكن التي تأسرك، والأشخاص الذين تعلمّت منهم، والمرض الذي صارعك فصرعته.
دوّن عن دواخلك بشجاعة، كن كريماً وبثّ أحاسيسك لمن عجز عن التعبير، أو حالت الظروف دون أن يحيا تجاربك.
الإنسانية إرث مشترك، ولولا أن كتب السابقون ما نبت الجمال في قلوب اللاحقين، وبحر التجربة لا يمتلئ أبداً، فثمة موضع لزورق جديد متى ارتحل.
صناعة الجمهور
التدوين من أقصر الطرق التي تصنع للكاتب شبكة من المعارف والمتابعين مما يوسع دائرة تأثيره، ويعظّم من عوائد ما يكتب، وهكذا الكتابة على المنصات الأوسع انتشاراً تحمل فكرك، وتنقل رؤيتك إلى شرائح جديدة ما كنت لتبلغها على مدونتك الشخصية أو حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا ريب أن اختيار منصة تدوينٍ تحظى بمصداقية القارئ، وتنحاز إلى هموم الأمّة الوسيلة الأسرع لبناء الثقة مع الجمهور، وحسن استقبالهم لمقالاتك، وفرصة ثمينة لإثارة حوار حول ما تطرحه.
تطوير الأدوات وتنمية المعارف
لا تتوقف آلية التدوين عند الكتابة وحسب وإنما تسبق الكتابة مجموعة من الإجراءات الضرورية مثل البحث والقراءة وكتابة الملاحظات حتى تخرج المقالة غنية يجد فيها القارئ ما يشبع نهمه، هذه الإجراءات ترتد عليك زيادة في مخزونك من المعرفة، ونمواً في حصيلتك من الثقافة، فضلاً عن تحسين مهارتك في الكتابة.
التحرر
التدوين من الوسائل المضمونة للتحرر من الضغوط ومواجهة الأزمات ولحظات الفقد ومشاعر الاغتراب.
الكتابة فعل مقاوم للهزيمة، وانتصار على الإحباطات المتتالية، إنها روح التحرر التي يحتاجها الإنسان عندما تتواطأ عليه الدنيا.
تكوين الذات المبصرة
رغم رحابة مجالات التدوين فهو ليس أمراً عشوائياً؛ إذ إنّ المرء لا يكتب عن كل شيء يشاهده، ولا كلّ تجربة يمر بها، وإنما ينتقي التجارب ذات الدلالة، والخبرات الموحية.
عندما تنخرط في الكتابة والتدوين تتخلّق لديك هذه الملكة، وتتشكل الذات المبصرة التي تجعلك قادراً على الانتقاء بين الغث والسمين، بين ما يستحق أن يدوّن وما يجب دسّه في حنايا النفس.
ابدأ في التدوين الآن حتى تسهم في إثراء المحتوى العربي على الإنترنت، وتخطو خطوة في رحلة بناء ذاتك المبدعة الفاعلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.