السر يكمن فينا!

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/14 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/14 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش

لقد خُلقنا لسبب ما، نحن هنا على ظهر هذا الكوكب؛ لنقوم بمهمة ما، فبالتأكيد لم نُخلق عبثاً، ولكن التحدي الأكبر يكمن بأننا لم نُخلق ومعنا وصف محدد لتلك المهمة، لا نعلم أي دور يريدنا الله -سبحانه وتعالى- أن نؤدي.

في البداية نحن أطفال نرى العالم بملء أعيننا، نستقبل كل شيء جديد بفرحة كبيرة، عيون عطشى ومليئة بالفضول والتساؤلات، وكلما كبرنا زاد عطشنا وفُضولنا لاكتشاف كل ما هو جديد، حتى نصل إلى مرحلة متقدمة من النضج لا يكفينا فيها أن نكتشف فقط، ولكننا نريد أن نصبح جزءاً من منظومة البناء لهذا الكوكب.

تلك الغريزة التي أوجدها الله فينا بأن نعمّر الكون لا تنفك تدفعنا نحو فعل أي شيء مؤثر، شيء ما يحدث تغييراً مهما كان صغيراً؛ ليكون علامة فارقة تسطر اسمَنا في سجل مَن مرّوا على هذه الأرض، فنحن بطبعنا نحب الخلود، وتُرعبنا فكرة أن نُنسى يوماً ما.

تلك المرحلة من النضج ربما لا تكون كافية عند الجميع لفعل شيء مهم أو القيام بدور ما، غالباً ما يكمن السبب في أن البعض لا يدري ما يفعل تحديداً، وأي دور يؤدي، وتنشأ حالة من الفوضى في التوجهات والقرارات التي تفتقر إلى التركيز على هدف محدد، والبعض يظن أنه يعلم ما يريد أن يكون بالضبط، ولكنه يصل إلى طريق مسدود؛ لأنه أخطأ الاختيار، أفكار كثيرة مبعثرة وطاقات مهدرة، لا أعني بمهدَرة أنها لم تكن مفيدة ولكنها لم تنصب لتحقق هدفاً ما كبيراً.

البعض يشعر بالرضا ويجدها طريقة لتفريغ طاقاته والتعبير عن ذاته، ولكن البعض الآخر يرى نفسه جزءاً من منظومة الطاقة المتجددة للكون، فهو يستمد الطاقة مما حوله، ويعطي ما هو أجمل بكثير، هؤلاء هم مَن نجحوا في التركيز على ذواتهم.

لقد كتبت فيما سبق عن تراب الأساطير وبتّ أوقن بأننا نمتلكه في أعماقنا، فالله لم يخلقنا ويتركنا دون دليل يرشدنا للطريق، ولكننا كثيراً ما ينسينا اكتشاف الكون من حولنا أن نكتشف ذواتنا، لربما كان هذا هو الهدف الأسمى الذي يجب أن نركز عليه في أولى مراحل حياتنا، أن نتعلم كيف ننظر إلى دواخلنا، أن نعرف أكثر عن تلك الأداة التي خلقها الله لتعمر الكون، فهي بالتأكيد تمتلك طاقة جبارة، ما علينا فعله هو أن نفكّ رموزها، ونكتشف طريقة التشغيل، حينها فقط سنصل إلى مرحلة من الانسجام التام فلا تعارض مع ذواتنا، ولا تعارض مع الكون؛ لأننا سنكون على المسار الصحيح نلائم أماكننا تماماً.

كثير منا لا يجد نفسه فيما يعمل، ويشعر بأنه ليس في المكان المناسب، هذا لأننا لا نكون قد وصلنا إلى تلك المرحلة من الانسجام والتناسق، فنفسنا تظل تخبرنا أن "هذا ليس أنت"، "أنت لست على المسار الصحيح بعد"، كم ممن رحلوا قبلنا غادرونا قبل أن يلائموا أماكنهم، كم هذا مؤسف!

في عالم البرمجة أنت لا تستطيع بناء نظام برمجي فعال بنصوص وأكواد عشوائية غير مرتبة، ربما بتلك الحالة ستحصل على نص برمجي صحيح وخالٍ من الأخطاء، لكنه للأسف لا يُجدي نفعاً، لا يهم أن يكون ما تكتبه من نصوص برمجيه صحيحاً أو منطقياً فقط، ولكن يهم أن يكون كل نص في مكانه وترتيبه الصحيح، حينها فقط سيعمل النظام ليعطي النتائج المرجوة.

في اعتقادي فإن الأمر نفسه ينطبق على الكون، ولكن بصورة أعقد، لا بدَّ لكل منا أن يؤدي دوره بشكل صحيح وفعال؛ ليصبح العالم كما نحبّ أن يكون.

اعلم أن السر يكمن في أعماقنا، ما نحتاجه هو الكثير والكثير من التركيز لنهتدي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد