حكى لي أحد الطلاب قصة جميلة وهادفة جداً حصلت معه.
يقول: اختاروني في بعثة لإكمال دراستي في إحدى الدول، وفي بداية الموسم الدراسي، وفي إحدى المواد التي اكتظت قاعتها بالطلاب، تم تقسيم الطلاب إلى مجموعات من 3 (طلاب)، وكانت مجموعتي مكونة منّي أنا ومحمد ومحمود، وكنت أعرف محمد، ولكنني لا أعرف محمود، ولأن أفراد المجموعة سيمضون معاً وقتاً طويلاً فقد كان التعارف بين الأعضاء أمراً ضرورياً وفي في غاية الأهمية.
لذا سألت محمد عمَّن يكون محمود؟ أردت شيئاً من أوصافه؛ حتى أتعرف عليه!
فقال لي محمد: إن محمود هو ذلك الشاب الهادئ الذي يجلس في الصف الأمامي صاحب المداخلات العميقة!
فرددت قائلاً: الكثير يجلس في الصف الأمامي، ولم أميّز محمود من وصفك!
قال: هو ذاك الشاب الأنيق ذو الشعر الجميل، هل تذكرته؟
فأجبته بالنفي! وقلت: لعل وصفك يكون أكثر دقة؟!
قال: هو ذاك الذي يلبس سترة أنيقة وبنطال جينز جميلاً مرتباً!
هل عرفته؟ فهززت رأسي بالنفي!
وقلت: أرجوك صفّي بدقة أكثر؛ تشوقت لمعرفته!
قال محمد: هو ذاك الخلوق المهذب الذي يأتي على كرسي متحرك!
قلت: الآن عرفت مَن يكون محمود!
ولكن ما عرفته أكثر وتعلمته هو الأسلوب الراقي الجميل المتحضر المهذب الذي استخدمه محمد، فقد كان بإمكانه الجواب من الوهلة الأولى:
"هو ذاك المعاق الذي يستخدم الكرسي المتحرك!"، لكن محمد كان مؤدباً جداً.
يقول صاحبنا: "وتخيلت مشهداً معاكساً.. لو كنت أنا مَن سُئل"!
لكنت قلتُ مباشرة: "هو ذلك الطالب المعاق المسكين!".
وللأسف، أحياناً، وبدون وعي، إن أردنا وصف أحدهم نتجه مباشرة لوصف عيوبه! فهل ضاقت بنا الأبجدية عن أن نعرّف البشر وندل عليهم بصفات طيبة وعلامات جميلة؟
لا خيار لنا في هذه الدنيا إلا أن نكون أكثر لطفاً وأدباً وتحضراً ورقةً، حتى ينتشر الحب بيننا، وتزداد روابط المودة.
أنا أعلم أن هناك مَن يفعل هذا بحسن النية وطيب مقصد وصفاء روح، ولكن هل حسن النية يكفي لنعيش حياة جميلة؟
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- ينادي الناس بأحب أسمائهم، حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً (يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)، وأبو عمير طفل صغير.
ومن جميل المواقف التي تنمّ عن حسن خلق ما ذكره (المنفلوطي) عن ذلك العالم، الذي ابتُلي بفقد البصر، والذي كان كلما يريد الخروج من عند أحد الوزراء يقول لخادمه: "يا غلام، رافق الشيخ، ولا يقول أمسك بيديه"… مراعاةً للمشاعر!
"يستخدم البعض أسلوب السخرية والمعايبة أحياناً لغرض حقير، حتى ينبه إلى عيوب الآخرين، ويقلل من قدرهم، والعجيب أن هؤلاء لا يجرأون على ذكر هذا الوصف أمام صاحبه".
وبعض الناس -مع الأسف الشديد- لا تراه دائماً إلا منتقداً، عائباً، ناسياً أو متناسياً صفات الآخرين الحسنة، ومركزاً على أخطائهم وعيوبهم فقط.
فهو مثل الذباب، يترك موضع الجمال والسلامة ويختار مواطن الجروح والقبح.. وهذا من سواد القلب ورداءة النفس وفساد المزاج.
ما أروع أن نملك عين النحل! نتلمس الإيجابيات، ونركز على مَواطِن القوة، ونصف الناس بأكمل صفاتهم؛ لذلك كن كالنحلة دوماً تأكل الرحيق وتنتج العسل وتتجنب القاذورات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.