وجدت التدوينة السابقة تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة تطبيق "واتساب"، فقد تبادلها عشرات من طلاب وخريجي كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة شندي، ربما لأنها ذكّرتهم بالأيام الخوالي وفترة جميلة في حياتهم عندما كانوا طلاباً بالجامعة.
هي سُنة الحياة بكل تأكيد، فالإنسان تسيطر عليه دائماً حالة عدم الرضا.. عندما يكون طفلاً يتطلع إلى الكبار بإعجاب متمنياً أن يصير مثلهم، وعندما يكبر ويدخل مراحل التعليم المختلفة تعجبه حياة الكبار ويتمنى سرعة التخرج من الجامعة، وأذكر أن البعض من طلاب وطالبات كلية الطب كانوا يتجاذبون معنا أطراف الحديث ويشتكون من ضغوط الدراسة والامتحانات الطويلة، عندها كنت أبتسم وأقول لهم: "كل هذا الألم والتعب الذي تشعرون به سيصبح ذات يوم ذكريات جميلة تتمنون عودتها"، وبالفعل عندما قابلت عدداً منهم بعد أن تخرجوا وانشغلوا بالحياة العملية تذكروا كلامي ومواساتي لهم متحسرين على أيام الجامعة.
الطريق إلى الجامعة
الرحلة من ديار الأهل في قبة الشيخ سلمان إلى جامعة شندي كانت تمثل معاناة يومية بالنسبة لي ولكل المرتبطين بوظائف أو أعمال في مدينة شندي لطول المسافة، ولأن الطريق لم يكن مسفلتاً، وقد كانت المعاناة على أشدها قبل العام 2009 الذي شهد افتتاح الجسر الرابط بين مدينتي المتمة وشندي على نهر النيل؛ ليطوي حقبة تعيسة؛ إذ كان السكان تحت رحمة "المُعدية" التي تعرف محلياً باسم "البنطون" وهو نوع من المواعين المستخدمة في النقل النهري بالمناطق النائية.
ويروي التاريخ القريب والبعيد قصصاً مأساوية متكررة عن فقدان أرواح عزيزة راحت ضحية لغرق المواعين النهرية، سواء كان سيئ الذكر "البنطون" أو "اللنشات" الصغيرة.
مستشفى المك نمر.. الذراع الطبية للجامعة
يعكس مستشفى المك نمر والمراكز المتخصصة التابعة له المكانة الرفيعة التي تتبوأها جامعة شندي في مجتمع المدينة وأهالي المنطقة، فالمستشفى المملوك للجامعة شُيّد على طراز معماري جميل، وتم تزويده بأجهزة طبية حديثة ليتدرب فيه طلاب كلية الطب، وفي الوقت نفسه، خفف كثيراً من معاناة السكان وسفرهم إلى العاصمة الخرطوم للعلاج.
غادرت كلية الطب وجامعة شندي بصورةٍ مفاجئة بعد 3 أشهر فقط، ورغم أنني تعرضت للظلم من الإدارة السابقة، فإن الفضل بعد الله يعود إليهم في تغيير نمط حياتي بأكملها؛ لذلك أنا مدين لهؤلاء الأشخاص بالشكر والتقدير؛ لأنهم جعلوني أكتشف الطاقات والإمكانات التي وهبها لي رب العالمين، فبعد فترة بسيطة من مغادرتي الكلية أصبحت خارج ديار الوطن في وضعٍ لا يقارن مع ما كنت فيه.
تحية لأهلنا الأعزاء في مدينة شندي بأحيائها ولأهلنا على ضفتَي النيل من "بقروسي" شمالاً وحتى "الحقنة" جنوباً، ومن "المسيكتاب" حتى "الضيقة"، وتحية خاصة إلى أحبابنا في قبة الشيخ سلمان، مسقط رأسنا وهوانا الأول، وأهديهم جميعاً هذه الأبيات لشاعر الوطن صلاح أحمد إبراهيم:
وإن جيت بلاد
تلقى فيها النيل
بيلمع في الظلام
زي سيف مجوهر
بالنجوم من غير نظام
تنزل هناك وتحيي
يا طير باحترام
وتقول سلام
وتعيد سلام
على نيل بلادنا.. سلام
وشباب بلادنا.. سلام
ونخيل بلادنا.. سلام
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.