فن تقبل الخسارة

الجميل في هذه الرسالة كمية الواقعية والعمق والمرونة والتفهم لطبيعة الأشخاص والنفس البشرية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/07 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/07 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش

كنت أتصفح الإنترنت فلفتَ انتباهي رسالة كتبتها ناظرة سنغافورية إلى أولياء أمور الطلاب قبيل اختباراتهم، وقد وجدت في هذه الرسالة الكثير من الحكمة والفطنة والدراية بالأمور.

تقول الناظرة في رسالتها:
" لقد اقتربت اختبارات أولادكم، وأعلم أنكم قلقون ليحصل أولادكم على درجات ممتازة. لكن لو سمحتم عليكم أن تدركوا أن بين مقاعد الصف هناك فناناً ليس عليه أن يحب الرياضيات، وأن هناك مهندساً لا يهتم بالتاريخ وأحداثه أو بالأدب الإنكليزي، وموسيقيّ درجاته في الكيمياء لن تساعده، ورياضي لياقته البدنية أهم بكثير من درجاته في الفيزياء. إذا حصل ابنك على درجة كاملة فهذا رائع، وإن لم يحصل فلو سمحتم لا تقللوا من ثقته بنفسه أو تنتقصوا من كرامته. قولوا لهم: لا بأس بذلك هذا مجرد اختبار. وإن في الحياة أشياء رائعة وعظيمة لا تتوقف، وإن المدرسة جزء صغير منها، وإنهم سيبهرون العالم بطريقتهم الخاصة، وبميولهم التي سيختارونها هم".

الجميل في هذه الرسالة كمية الواقعية والعمق والمرونة والتفهم لطبيعة الأشخاص والنفس البشرية.

إن الاختلافات في الميول الإنسانية شيء طبيعي جداً يغفل عنه الكثير، فيَعون في ضغط كبير اسمه لا بد من "الفوز" في كل شيء.

وليس هذا في مجال التعليم فقط، ولكن في كل مجالات الحياة.

نعم فالخسارة في مكان تعني الفوز في مكان آخر، إذن فهي ليست وحشاً لا بد من الفرار منه، بل لا بد من فهمه والتعامل معه ومواجهته بطريقة عملية.

فلكل شخص توجّه خاص به سيبدع فيه في هذه الحياة، وتخصص سيبرع فيه أكثر من أي تخصص آخر.

لقد أخطأت أساليبنا التعليمية عندما حصرت التميز في تخصصات محددة ووظائف بعينها، وأخطأ الكثير من أولياء الأمور حين أفهموا أولادهم أن عليهم الحصول على الدرجة التامة دائماً وفي كل تخصص، لقد حملوهم فوق طاقتهم وأرعبوهم من فكرة الخسارة، وهذا خطأ فادح فهم ليسوا آلات بل أرواح وعقول.

فالخسارة لا تحسب خسارة فعلاً، بل هي دافع للتميز في مكان آخر أو حتى مضاعفة الجهد لمعرفة مصادر التميز في المجال نفسه، المهم ألا يكون الهاجس الخوف من الخسارة، بل الإصرار والمحاولة أو البحث عن الميول الحقيقية لمعرفة هوية الفرد الحقيقية.

إن الضغط الذي يضعه الإنسان على نفسه؛ ليكون مثالياً أو ناجحاً في كل شيء يؤدي إلى قصور في فهم الصورة الحقيقية للحياة، ويؤدي لتعب النفس وتلف الأعصاب.

فإذا كنا كاملين مثاليين ممتازين في كل شيء كيف سيكمل البشر بعضهم بعضاً؟ وكيف ستكتمل دائرة الحياة وتزهر؟ إذن من الطبيعي جداً أن تنجح في أشياء وتخفق في أخرى لتعرف من أنت وتعرف أن كل ما يحصل معك هو إشارة لميولك ودوافعك وجهدك ولرؤيتك للشيء، فتتعلم ما يمكن تعلمه وتقترب مما تريده فعلاً، وتقترب من ما تأنسه روحك ويريده عقلك ويهواه قلبك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد