نعيمة.. فتاةُ الحرب

تنقلت بين جثة وأُخرى ثم التي تليها حتى وجدت هاتف نعيمة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/06 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/06 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

حبيبتي التي لم أرَها قط.
نعيمة علي، مواليد 4 أكتوبر/تشرين الأول 2000 صومالية الأصل، والدها استشهد إثر انفجار في الحرب الأهلية في الصومال كانت رضيعة لم يتجاوز عمرها العام، يُحكى أنه ذهب إلى العمل وجاءهم اتصال يُعلمهم بأنها ستشهد وكانت الجثة مُشوهة ولم يستطيعوا التعرف عليه، ظلّت والدة نعيمة بالصومال بعد مقتل زوجها لرعاية والدتها "أو كما يسمونها الست والدتهم" ولتربية بناتها الصغار "خديجة ونعيمة".

ثم استطاعت والدتهم بمساعدة أحد أقاربها الحصول على فيزا إلى دمشق في سوريا عام 2008، وفي بداية عام 2009 انتقلوا إلى حي يُسمى التل في الغوطة في ريف دمشق وظلوا في حي التل حتى عام 2012 فقررت أُم البنات بعد ثورة سوريا 2011 الانتقال إلى بلد آخر، ولكن والدتها أصرّت على أنّها إذا قررت الرحيل من سوريا ترجع إلى الصومال فلا تذهب إلى مكان آخر، ونظراً لبِرّها بأمها قررت الرجوع للصومال كما طلبت.

وظلوا في الصومال قرابة 5 أعوام حتى عام 2017، كانت نعيمة في الصف الثالث الثانوي في نفس العام يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول يوافق يوم السبت كان يوم ميلاد نعيمة السابع عشر، ويوم 14 أكتوبر يوم الأحد انتهى اليوم الدراسي لنعيمة مبكراً وقررت نعيمة مقابلة أختها عند صديقتهم وللوصول لصديقتها استقلت حافلة، ومن المفترض أن تُغيّر الحافلة في محطة تحويل وتستقل أُخرى، وقبل وصولها إلى محطة التحول ببضع دقائق هاتفت أختها "خديجة" وأعلَمتها أنها ستنتقل إلى الحافلة الأُخرى وفي غضون 30 دقيقة ستصل.

وبعد ثلاث دقائق فقط حدث تفجير في أحد ميادين عاصمة مقديشو "في الصومال"، والدة نعيمة وأختها لم يُشاهدا التلفاز ولكن فجأةً أنباء التفجير انتشرت ولكنهما لم يُدركا أمر نعيمة إلا بعد الإعلان عن اسم الميدان، والمؤسف أنه ميدان محطة التحويل التي كانت به نعيمة حينها.

ظلت خديجة تُهاتف نعيمة مِراراً، ولكن الهاتف مغلق، أول ما قامت به والدتها الذهاب للميدان لتفقّد ابنتها في بَدِء الأمر مُنعت من دخول الميدان، ولكنها أصرت على الدخول، ظلت تبحث بين الجثث وحرفياً جميع الحافلات متفحمة، ولا معالم لها وكذلك جميع الجثث مُشوهة.

تنقلت بين جثة وأُخرى ثم التي تليها حتى وجدت هاتف نعيمة!
وبجانبه يد منفصلة عن الجسد، ولكنها علِمت أنها ليست يد ابنتها، فجسد نعيمة نحيف وأطرافها قصيرة، رأت أيضاً كُوماً من العجين الأسود "أظن أنه جسد محترق تماماً"، بحثت متواصلاً ما يُقارب الثماني ساعات لم تقطع أمل اللقاء بابنتها ولم تصل لشيء، ولمدة 72 ساعة كانوا على تواصل مع جميع مشافي المنطقة لعلها في أحدها أو أنّها مصابة أو حتى جثمانها تحت أحد المباني التي سقطت من قوة التفجير وباءت المحاولات بالفشل، وقتها كان مرّ على التفجير 72 ساعة، ولم يجدوا جثمانها.

الآن مرّ أربعة أشهر والوضع قائم، أصدقاؤها وأولاد أعمامها وأخوالها ظلّوا يبحثون عنها ولم يصدقوا أنها استشهدت، علِمت والدتها أنّها خسِرت ابنتها كما خسِرت زوجها من قبل في حادث مُشابه.

سُجلت نعيمة كمفقودة وحتى إنهم إذا أرادوا الصلاة عليها أو افتقدوها واشتاقوا لها لن يجدوا لها قبراً للذهاب له؛ ليشعروا بقربهم منها.

تساءلت كثيراً: لمَ نحن؟ لمَ المسلمون؟ ألهذه الدرجة الدنيا بالنسبةِ لهم دار بقاء؟!
ولمَ كل هذه الصراعات؟ يا تُرى كم أسرة مرت بنفس الأمر وأسوأ؟

يا إلهي! استشهدت فتاتنا ولم يستطِع أهلها تجميع أشلائها لدفنها، نعم إنّها استشهدت، قالت جِهاد وهي واحدة من أقاربها: إنها ذهبت على أمل لقاءٍ آخر معهم، ولكن أبَى الزمان أن يمنحها وقتاً أكثر لتحقيق أحلامها؛ لتصبح طبيبة كما أرادت، أو أُماً كما تُريد أكثر الفتيات، ولا حتى كُتب لها أن ترى نصر الله واسترجاع بلدتها "دمشق".

نعِدك حبيبتي بلقاء آخر هناك، إنّها دُنيا فانية لا تعني للمؤمن الكثير، والعبرة بالخواتيم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد