نعم هي كذلك كما قرأتها تماماً "السافلين" خفافيش الظلام، هم أسفل وأسوأ وأخبث ما أفرزته البشرية، لا هم ليسُ ببشراً ولا حتى ارتقوا لمنزلة الشياطين! لم يتحدوا قوانين الأرض فقط، بل أيضاً قوانين السماء.
وصدق شوقي إذ يقول:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ** فأقم عليهم مأتماً وعويلا
هكذا أبدع الدكتور أحمد خالد مصطفى في اختيار اسم الرواية "أرض السافلين"؛ لتتنبأ أنت بما تتضمنه وتحويه الرواية من قدر ومستوى الدناءة والحقارة التي يتصف بها شريحة انعدمت فيها كل مقومات الإنسانية والأخلاق.
وإذا كان العلم مثل أي شيء سلاحاً ذا حدين، فإن هؤلاء قد استخدموا العلم في كل شر ودناءة أخلاق ممكن أن تتخيلها أو لا تتخيلها سيان! أخذنا الدكتور أحمد خالد في الرواية إلى "أرض" السفلة هم خزنتها وسكانها وورثتها عن عالم ليس افتراضياً من وحي الخيال، بل هو حقيقي وتحت قدميك! هو "ديب ويب"، أو كما يطلقون عليه شبكة الإنترنت السفلية، جميعنا لا نعلم ولا نتعامل إلا مع 5% فقط من الإنترنت الفعلي، و95% الباقية هي مواقع مخيفة سوداء مظلمة حقيرة، يعمل أصحابها فيها كل ما يريدون بلا رقيب، وإذا ماتت الأخلاق والضمير فافعل ولا حرج!
في هذا الجزء من الشبكة العنكبوتية يحدث كل شيء فكل شيء مباح، لم يعد هناك مخدرات يسلمها لك رجل مجرم وتتلفت أنت حولك، بل تباع وتشترى على هذه الأرض الإلكترونية المخيفة بزر واحد تستطيع أن تقتل إنساناً تكرهه؛ فالمحترفون كُثر، وما عليك إلا أن تختار ويعطونك هم قائمة الأسعار.
ماذا تريد؟ هل جربت من قبل أكل لحوم البشر؟! موجود، هل تحب الدماء أو السحر الأسود أو صاحب مزاج منحرف؟ كل هذا موجود بأبشع صورة يمكن أن تتخيلها، هناك أيضاً مواقع للعصابات وتأجير إرهابيين، عصابات تخطف وتعذب وتساوم، وإن أردت أن تشاهد ذلك، وتتأكد في بث مباشر أثناء الخطف أو التعذيب ليس هناك مشكلة، كل ما عليك هو أن تطلب الخدمة من موقعنا في الديب ويب!
هل أنت في حاجة إلى مال أم تريد شراء أعضاء وأي عضو تريد؟ هل تريد أن نعطيك كلمات سر لكروت ائتمانية تشتري بها ما تريد؟!
هل تريد قتل أو تعذيب زوجتك؟ أراك تبتسم وأعتقد تريد! ما عليك إلا أن تأمرنا، وما علينا إلا التنفيذ، ولدينا المزيد، القائمة تطول، إن كل مواقع الإنترنت الظاهرة للعيان، والتي تدخل أنت وغيرك عليها كل يوم وتنهال من مناهلها، كلها بكل ضخامتها وشهرتها وزائريها لا تعد شيئاً بجانب هذا الجزء السفلي الممنوع.
وإذا كنت مراقباً على النت وكانت حتى أنفاسك معدودة عليك، فإن هذه المواقع السوداء المخيفة غير مراقبة بالمرة، ولا يستطيع أحد أن يتعقبك؛ فهي ليست كالإنترنت العادي، أنت في الإنترنت المظلم كالثعبان لا تدخل من جهازك مباشرة بل من جهاز آخر في بلد آخر، متاهة في سلسلة ثعبانية طويلة وملتفة يستحيل على أحد أن يتعقبك أو يراقبك.
فعندما يموت الضمير افعل ما شئت، إلى هذا الحد تدنت البشرية؟! هل نحن نرتفع ونتقدم ونرتقي أم ننحدر إلى هذا المستوى. لا أعلم، كل ما أعلمه أننا بشر، ولسنا بملائكة يمكن أن نُخطئ ونذنب ثم نتوب، يمكن أن نرتكب الخطأ في منأى عن البشر، ثم نخجل من أنفسنا ومن الله فنرجع، قد نجرم أو نخطئ فيعاقبنا القانون وقد لا يعاقبنا.
ولكن يظل ويبقى دوماً "الضمير" وحده مهما علا شأننا وأينما كنا هو الفيصل بيننا وبين أي كائنات أخرى، رغم أن الآونة الأخيرة أظهرت لنا الحيوانات مواقف يخجل الإنسان عند رؤيتها، مع الأسف حتى الحيوانات لم نرتقِ ونصل إليها.
لم يقتصر الفجور على عالم السافلين، بل أحاط بنا وخرج علينا من كل صوب وحدب، كنت أتعجب حين أقرأ عن علامات الساعة، وأتساءل كيف ولماذا ستشرق الشمس من مغربها؟ ولكني الآن تيقنت تماماً وأدركت المغزى وراء ذلك! وكأن الله سبحانه وتعالى يرسل لنا آخر رسالة، انقلبت الموازين وأفسدتم ناموس الكون وتجردتم من الإنسانية والأخلاق، تحديتم القانون السماوي، فعندما تلد الأمة ربتها، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، ويتكلم الجاهل، ويسكت العالم، فلا عجب أن ترى الذي يقود الأمة ويمسك بزمامها هم السفهاء وأراذلها.
عندما تصبح الأرض غابة، ونسير عكس المألوف، ونطوف مع عقارب الساعة عندئذ، لا بد أن تغضب السماء، وتعلن نهاية الظلم والفجور لتعتدل الموازين، ويتغير نظام حركة الأفلاك؛ لتبدأ بالدوران في اتجاه عكسي مثلما فعلنا تماماً.
ولا أخفي عليكم أمراً، كنت دوماً أخشى الموت وترتعش فرائسي حين أتذكره، ولكني بعدما رأيت بأم عيني القتل والدم والحروب تحاوطنا، وتفشى الظلم كالوباء، وعلى مسمع ومرأى من الناس، قتل وتعذيب واغتصاب، والكل لا يتحرك له ساكن إلا من رحم ربي، تمنيته ودعوت: اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا "رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.