عندما ينتقل الفرد ليعيش في مكان غير المكان الذي تربّى فيه، المكان الذي وُلد فيه ونشأ فيه، المكان الذي غُرست فيه جذوره، المكان الذي توافر له فيه المعلومات اللازمة ليعيش ويُثبت ذاته وينجح في دراسة أو شُغل.
توافر له العلاقات المساندة والداعمة له في لحظات الضعف.
توافر له لغة يستطيع أن يحكي عما يجول بخاطره ويعرف كيف يطلب ما يريد أو يدافع عن نفسه إن تطلب الأمر ذلك.
يشعر في بلده أنه زعيم مُسيطر عارف كيف يدبر أموره الحياتية.
لكن في الغربة لا تتوافر له المعلومات الكافية ليصل لهذه الحالة.
– لا تتوافر هذه المعلومات ولا يعرف كيف يبدأ، حتى إنه يشعر أنه كطفل صغير يحتاج من يرعاه، فقد يضيع في الطرقات ولا يعرف كيف يذهب لعنوان ما، أو يقف تائهاً ولا يعرف يرد على إهانة؛ لأنه لا يجيد لغة هذا الوطن الجديد.
– فلا تتوافر لديه المعلومات اللازمة ليثبت ذاته ليقول "ها أنا ذا"، ولا يعلم من أين يبدأ ولا أي خطوة بعد ذلك سيخطو؛ فيشعر بالفشل وعدم الكفاءة، وتهتز صورته عن ذاته ويصبح فريسة للاكتئاب.
– ولا تتوافر لديه العلاقات الداعمة، فعندما يشعر بعدم الكفاءة في الشارع، في الخارج يجري للبيت، للأسرة فلا يجد من يثبته ويدعمه، ولا يجد من يبث فيه روح الأمل، ويقول له: هوِّن عليك إن شا الله غداً أفضل، بل يسمع المقارنات بينه وبين غيره الذي اجتاز التجربة بنجاح أو حقق إنجازاً في ناحية ما.. وهنا الخطر ليقع فريسة للاكتئاب:
أنا غير كفء – المستقبل مظلم – تحقيق أي إنجاز مستحيل – الناس كلها لا تتصل بك ألا لمصلحة مشتركة، وغير ذلك تتهرب منك – لا يوجد مَن يحبني أو يهتم بأمري؛ فيشعر بالتعاسة والإحباط، ويزهد في الدنيا ويفقد الدافعية والحماس لعمل أي شيء.
همسة في أذنك: أنت لست وحدك بل كثيرون عبر التاريخ مرّوا بهذا، فلا تستسلم للنداءات الخفية داخلك لتقول لك: أنت فاشل، بل قل لها: أنا في مرحلة جمع المعلومات، في مرحلة بناء الأساس، لا تقارن نفسك أبداً بفرد بنفس عمرك، ولكنه لم يسافر ولم يغترب، فالمقيم في وطنه عنده أسباب النجاح، أما أنت فعندك فترة تجمع فيها معلومات عن الحياة في هذا البلد الحديد، فترة لتعلّم لغتها، فترة لتعمل علاقات داعمة.
احذر كل الحذر من الاستعجال فليس مهماً أن ترى نتائج عملك الآن، فالنخل لا يرى ثماره الطيبة إلا بعد وقت طويل (ما تأخر مَن بدأ).
احذر من المقارنات، فكل فرد له ظروفه وإمكانياته وصعوباته وفرصه.
احذر من أن تصدق أن الوقت فات أو مفيش أمل.
أحسن الظن بربك.
احذر من أنك تصّدق أنك فاشل (لا)، صّدق أنك ناجح، ولكن لم تأتِ الفرصة بعد.
صدّق أنك في مرحلة التأسيس وما زلت تجمع معلومات عن الحياة الجديدة.
صدّق أن الفرصة ستأتي وإن شا الله ربنا سيعوضك خيراً، فهذا وعد الله للمهاجر.
صدّق أن النجاح الحقيقي والنجاح الكبير ليس سهلاً وله إعداد خاص، صدّق أنك في مرحلة التصنيع.
هل ما زلت تقرأ هذه المقالة للآخر؟
أنت ناجح، أنت كُفء؛ لأنك ما زلت تقاوم وتحاول أن تتصبّر وتحاول أن تسمع كلمة كي تُزيد حماسك ودافعيتك.. (ومَن يتصبّر يُصبّره الله).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.