لم تكن الأيام بصحبته قد بدأت بعد، كنت كالطفل المترقب الحصول على شيء ما المريد له الخائف من عقبات السؤال عنه، كنت أرى في حياتي معه كدراً جمّاً، وأرى أن أيامي معه معدودة محسوبة بالدقائق والأيام، لكن رغم ذلك كنت أخشى على نفسي بعده، وأرى في ساعات عمري فراغاً قاتلاً في بعده، كنت كمن ألقى السمع وهو شهيد، شهيد القلب وشاهد الروح على صعوبة أيام قادمة، بصحبة دمشقي كحل عينيه ياسمين الشام، ووقود روحه حاراتها العتيقة، ومرتعه هواها.
أن تحبي دمشقياً يعني أن تغاري عليه من نظرته إلى الياسمين الملتحف أرجاء المدينة، يعني أن تعي بأنه ليس لك وحدك، بل إنك شريكة الآلام والعقبات والأهواء والصعوبات والحب الكثير.
أن تحبي دمشقياً يعني أن تدركي أن من سيدفعك بياسمينة لينة فيؤذي بها وجنتيك الناعمتين، سيدفعه دمشقيكِ بأطنان من الغضب المحمود والذم الممدوح.
في الدمشقي كل شيء مختلف، في حبه وطريقة تعبيره عن المشاعر والنظرات، في الدمشقي رجل ما إن نادت الأوطان لبّى نداءها، وما إن قامت الساعة، حتى كنت أنت هدفه وبوصلته وملجأه وحماه.
للدمشقي حكايا بين جدران الأموي وأحاديث خاصة بأسواق الحميدية، وعبقات من نسيم جوري أصيل، وشذى ياسمين الأرض والوطن.
عندما تقدم لخطبتي لم أعِ للحظة حجم الحب الكامن خلف تأملاته الحادقة، ولم أفهم مقصده من طلب فتاة كمثلي، لا تقبل إلا بالحب مهراً لها، ومقدمها الاهتمام، ومؤخرها عظيم الاحترام، أما كان يملك هو، فحب الوطن، والدفاع عن الأرض، وياسمينة.
أدركت حينها أن مهري سيكون تلك الياسمينة المعلقة على جدار بذلته الفواحة برائحة دم شهداء الشام، وعرفت حق المعرفة بأنه مودّع لي في أي لحظة قريبة، وأن الوطن والبلاد والأرض هي غايته.
ولكنني في تلك اللحظة سكنت سكون الميت، وتسمرت كمن تلقّى خبراً فاجعاً، ولكن طلبه قد فجعني حباً.. وبلا تردد إذ بي أقبل به روحاً لروحي، وسكناً لقلبي، وملجأً لنفسي، ومعيناً لعقلي، وساكناً لي.
في الشام شهيد يودع شهيداً يزف شهيداً ويرثي شهيداً، في الشام أطفال قد احترفوا مبدأ الشهادة قبل بدء خلقهم وتكوينهم في رحم الجمال، في الشام رجال رغم إدراكهم بأنهم إلى زوال وأن جسدهم إلى فناء، رغم ذلك ولكنهم يتفنون أساليب الحب والتودد. كما رجلي تماماً حين أفصح عن سبب طلبه فقال: أدرك أنني شهيد، ولكنني أريد ضمان جنة الدنيا والآخرة.
في الشام رجال لم يلهِهم حب الوطن عن حب الناس، ولم يكدر أنين وطنهم صفو جمال ألسنتهم، ولم تمنعهم جنة الآخرة من السكون إلى جنة الدنيا وزينتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.