فرحنا جميعاً كعرب أفارقة بفوز اللاعب العربي المصري محمد صلاح بلقب أفضل لاعب إفريقي لعام 2017 قبل شهور، وانتصرنا جميعاً للمسابقة بالتوقيعات ونسينا الخلافات التي بيننا، فالرجل يستحق ذلك وأكثر، ويشرّف ليس فقط العربي والإفريقي بل المسلم أيضاً، وممكن بسببه يدخل البعض في الإسلام، ورأينا مشجعي ليفربول قبل أسابيع وهم يغنّون بذلك.
ولكن بعد المنحة تفاجأنا بإثارة جل الأفارقة غير العرب في تعليقات "توتير" بالسؤال الغريب: هل حقاً محمد صلاح إفريقي؟
فكما انتصرنا لنيل الجائزة السمراء، بدأنا بالدفاع بمئات التغريدات التويترية عن سمارة صلاح، وأنه إفريقي قح، وأن مصر أم الدنيا هي التي ساعدت إفريقيا بتحررها من الاستعمار الغربي، حتى وصلنا بالحلف وبوضع الأصبع الإبهامية على خريطة مصر الإفريقية، وانتهينا أيضا آنذاك بالنصر الجدالي التويتري بإقناع هذا الشاذ الإفريقي الذي يفرق بالأمة الإفريقية الموحدة.
ولكن بعد ذلك بدأت وساوس أخرى تؤيد بما طرحه هذا الإفريقي الجريء، والأكثر من ذلك دعمت هذه الأحاسيس الوسواسية إذا صح التعبير بادعائها أدلة ملموسة، منها عدم شعور الأفارقة باهتمام مصري قوي تجاههم بعد الرئيسَين جمال عبدالناصر والأسمر أنور السادات، فمصر كما هي مرتبطة أمنياً بالصراع العربي – الإسرائيلي كذلك مرتبطة أمنياً بإفريقيا، فالحروب الحاصلة في ليبيا وجنوب السودان أثّرت في أمنها، كما اشتكت أكثر من مرة حكومة السيسي وأغارت على أثرها على أراضٍ ليبية.
وثانياً مصر ترتبط بإفريقيا بارتباط أمن مائي، فالنيل التي غنّت له وبسببه سُمِّيت هبة النيل يأتي من إفريقيا.
فلقد تجرأت بعض دول حوض النيل الأربع: إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا، في عنتيبي الأوغندية في مايو/أيار 2010 بالانقلاب على الاتفاقيات وطلبها إعادة النظر في اتفاقية 1929 التي وقعت بين مصر وبريطانيا، التي كانت تستعمر آنذاك السودان وأوغندا وتنزانيا، وادعت هذه الدول أنها غير ملزمة بهذه الاتفاقية؛ لأنها تمت في الحقبة الاستعمارية وطالبت بزيادة حصصها من مياه النيل.
والأسوأ من ذلك كله أن إثيوبيا بدأت بتعطيش وتجويع المصريين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 100 ملايين نسمة وذلك بتدشين مشروع سد النهضة 2011 الذي يوفر نمواً اقتصادياً لإثيوبيا مقداره 10%، كما سيصبح أكبر محطة طاقة كهرومائية في إفريقيا عند اكتماله، ورغم محاولة مصر لوقفه أو تخفيفه، فإنها فشلت، فضلاً عن أن مصر لم تعد تؤثر على الدول العربية – الإفريقية المجاورة لإثيوبيا، فجيبوتي مصلحتها مع إثيوبيا التي تصدر وتستورد ما يقرب من 70 بالمائة من البضائع عن طريق مينائها، كما وعدت جيبوتي بمساعدتها عن طريق سد النهضة لحل معضلة الكهرباء.
أما السودان فرأينا كيف غيّرت رأيها حول سد النهضة، والتي كانت بالبداية مع مصر حتى أصبحت في ليلة وضحاها المحامية الأولى لهذا السد، وأن مصلحتها المستقبلية في الزراعة والري والكهرباء في ذلك السد، وظنّي أنها غيّرت رأيها بسبب استعلاء القاهرة وتكبّرها وعدم سماعها للرأي الآخر المدافع لها.
والصومال ذهبت بعيدة عن مصر، فصوماليلاند تبرع بعض تجارها بأموالهم في سد النهضة؛ لأخذ حصتهم الكعكية من الميغاوات الكهربائية، أما الحكومة الفيدرالية فمصلحتها مع إثيوبيا؛ حيث الأخيرة لها حضور عسكري قوي ضمن القوات الإفريقية "أميصوم" في بعض أقاليم الجنوب؛ للدفاع عن حركة الشباب المسلحة المناوئة للحكومة الصومالية، بينما مصر غائبة كلياً عن المشهد.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا دائماً تغيب مصر عن استراتيجيتها القومية والمائية الجيوسياسية؟ وتنشغل بقضايا بعيدة، مثل الخلاف الخليجي – الخليجي، والتجاذب الأخير مع تركيا حول تنقيب الغاز في شرق البحر المتوسط، وتشعل حربها الإعلامية للتركيز في هذه القضايا، حتى كدنا نصدق من كثرة صياح إعلامييها أن مصر من دول التعاون الخليجي.
الأولى لمصر أن تفهم موقعها الحضاري والثقيل بالنسبة لإفريقيا، وأن تبدأ فوراً بعلاقة قوية مع أشقائها العرب – إفريقي، والأولى من كل هذا وذاك أن تحسن حالها داخلياً وتصالح الإخوان وجماعة ٢٥ يناير/كانون الثاني الثورية، قبل الانتخابات كما فعلت نظيرتها الإثيوبية، والتي تجاوبت مع الاحتجاجات الشعبية العارمة في أقاليم الأورمية والأمهرية، وأفرجت عن أكثر من ستة آلاف سجين سياسي، كما بسببها استقال رئيس الوزراء "هيلا ميريام ديسالين"، وممكن لأول مرة أن يُنتخب رئيس مسلم من القومية الأورمية، كل هذا استعداداً لفرحة افتتاح مشروع سد النهضة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.