قضايا ما بين التبسيط والتعقيد

في معظم الحالات يكون سبب الانتكاس والفشل في حل بعض المشاكل والتعقيدات، هو تبسيط الأمور المعقدة بطريقة تظهر للمراقب على أن الأمر تافه، ولا يحتاج إلى بذل أي مجهود، وليس نقص الإمكانيات، أو ضعف الخبرات.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/01 الساعة 00:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/01 الساعة 00:09 بتوقيت غرينتش

في معظم الحالات يكون سبب الانتكاس والفشل في حل بعض المشاكل والتعقيدات، هو تبسيط الأمور المعقدة بطريقة تظهر للمراقب على أن الأمر تافه، ولا يحتاج إلى بذل أي مجهود، وليس نقص الإمكانيات، أو ضعف الخبرات.

من المعروف أن العقل البشري يبحث دائماً عن أشياء تريح العقول من مشاقّ التأمل والتفكير والخوض في لباب الموضوع، رغم علمه المسبق أن ذلك يعطي صورة مضللة وبعيدة كل البعد عن الموضوعية الحقيقية والنظرة الشاملة للموضوع؛ لذلك قد يأخذ العقل البشري بعض الآراء والأفكار والاستنتاجات المدروسة من بعض الكتاب والمفكرين لتريح عقله وضميره، وتكثر هذه الحوادث في بعض القضايا الفكرية التي شغلت المفكرين على مدى عقود طويلة.

ومن هذه القضايا، علاقة العالم الإسلامي بالغربي، فقد لخّص أخذ المصلحين الفكرة التي يجب أن نبني عليها العلاقة، على أن نأخذ منهم ما يلائمنا ونترك ما يتعارض مع ديننا وثقافتنا، لكن هذه القاعدة هي موضوعة على نحو مطلق للأفكار؛ حيث إننا عندما نبدأ بتنفيذ هذه المقولة (القاعدة) ستواجهنا مشكلة ضيق مجالات التنفيذ، وفقدان الكثير من الصدق، وعدم وضوح أوضاع التطبيق والتنفيذ.

ومن هذه الأسباب، أنّ العالم الإسلامي لا يمكنه أصلاً تطبيق فكرة الانتقاء من الأساس، فهناك التشابك الواضع ما بين السياسة والاجتماع والترابط ما بين العلوم والأخلاق وغيرها الكثير، فمن أراد الاقتباس من العالم الغربي فعليه أخذ بعض الأمور التي لا تُرضي الدين ولا يقبله المجتمع، ويرفضه الضمير الإنساني النقي من الشوائب.

ولتوضيح ذلك، سأضرب مثالاً، لنفرض أن مختصاً في الاقتصاد أراد أن يقوي الاقتصاد في بلد إسلامي ما، بنفس الفكرة التي يقوم عليها الاقتصاد الغربي، فقد يفرض عليه التعامل بالربا؛ لأن قوة الاقتصاد في العالم الغربي تبنى أصلاً على التعامل بالربا.. فكيف سنتعامل مع هذه القاعدة؟!

كذلك يجب الانتباه إلى أن التنظير يتم في بيئة مطلقة من القيود؛ حيث تتوافر الإمكانيات المتاحة للتطبيق، فعلينا من الضروري قبل التعامل مع أي قاعدة فكرية أو فلسفية، محاولة فهمها، والتعامل معها على أساس تجربة فكرية، وليس قاعدة لا تحتمل الخطأ مطلقاً أو إحدى مسلمات هذا الكون.

والمشكلة الأخرى التي أريد الحديث عنها في هذه الدراسة، هي علاج جذري لمشكلة الفقر في البلدان الإسلامية؛ حيث يعتقد عدد غير قليل أن عمر بن عبد العزيز استطاع إيجاد حلول جذرية لمشكلة الفقر؛ حيث هناك الإصلاح الواسع لهذا الرجل، وأنا هنا لا أريد أن أفنّد هذه المقولة، لكن ما أثار انتباهي هو تبسيط مخيف لهذه المشكلة من بعض الساسة والمفكرين؛ حيث يعتقد بعض رجال الدين خاصة، أننا بخطوات قليلة للأمام وإصلاحات هيكلية، كإصلاح عمر بن عبد العزيز نستطيع حل هذه المشكلة!

ولكن باعتقادي أن هذه الحادثة -لو صحت- فهي تعتبر حدثاً عرضياً، حدثاً في بلد إسلامي وليس هناك فرصة لوقوعه مرة أخرى؛ لذلك قبل التفكير في الحل، علينا وضع تعريف عام وشامل لمشكلة الفقر والعمل على بحث شامل لأسباب حدوثه وطرق علاجه، وليس تفكيراً محصوراً ومؤطراً أو مقلداً لحادثة حدثت ولا احتمال لتكرارها في أحسن الظروف، والسعي لتخليص العالم الإسلامي من مشكلة الفقر بسبب الركود والكسل، فهذه الحالة يعج بها العالم الإسلامي وهي أساس للعمل ومن أولوياته أيضاً.

لا ننسَ أننا نحتاج إلى إجراء حساب دقيق للكم الهائل من الأموال التي نحتاجها لهذا المشروع الإصلاحي، وهل هناك أحد من أبناء المسلمين على استعداد لدفع هذا المبلغ؟ وهذا أمر ليس بالسهل، فهناك اختلاف في درجات الفقر في البلدان الإسلامية، واختلاف في الأسباب والظروف المسببة لهذا الفقر، حتى إنَّ هناك اختلافاً في البيئة التي يحدث فيها الفقر.

وغيرها الكثير من الأمور التي نراها اليوم في واقعنا المعاصر، منها إقامة خلافة إسلامية، فبعض الأحزاب تؤمن أن إقامة الخلافة هي الحل الوحيد، لكن هل إقامة الخلافة أو حتى حكم إسلامي أمر سهل جداً؟ فالناظر اليوم لحال المسلمين يبصر أن هناك حاجزاً ما بين المسلمين والتقدم الحضاري، الذي هو الخيط الطويل الذي يوصلنا إلى إقامة الحكم الإسلامي، فالتقدم الحضاري يخلص الشعوب من التبعية والذهول بالعالم الغربي، وبه نقوي القاعدة العلمية والتقنية والتكنولوجية، وبه نستطيع أن ندافع عن أنفسنا في ظل تربّع القوى العالمية على رؤوس نووية تستطيع تدمير العالم بكبسة زر واحدة.

أين نحن من هذا التطور؟ هل نريد أن نقاتلهم بالخيول والسيوف؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد