"وقد عشتُ أؤمن أن المريض ليس حالة كما يقول الأطباء كثيراً وإنما هو إنسان، وأن العلاج لا يكون في تذكرة الدواء، وإنما في فهم ذلك الإنسان، في مقاسمته آلامه، في بذل العطف الصادق له، في منحه الحنان الذي فقده في العالم الواسع، وضاقت الدنيا به على رحبها".
هي مقولة الدكتور إبراهيم ناجي رحمه الله، التي لخص فيها القيمة والمعنى الحقيقي للطبيب كيفما كانت وضعيته، فالطب مسؤولية والمسؤولية أخلاق.
نعم، أعلم أن الطبيب ليس ببطل خارق كما يظن البعض وليس بـ"سوبرمان" زمانه، هو ذلك الشخص العادي والإنسان المُتعَب، فكيف له ألا يتعب، بعدما أرهقته الأيام والليالي الطويلة، حان دور الواقع الجميل، أليس من المُؤسف أن يطالب الطبيب بحقوقه؟ أن يناضل من أجل كرامته؟ أليس من المُخجل أيضاً أن يطالب بأبسط المعدات الطبية كي لا يشهد حزناً ناتجاً عن قلة الاهتمام؟
أجل، هذا هو واقعنا، وهذه هي حقيقتنا التي لن تغيرها المظاهر الزائفة.
لكن ورغم قساوة الظروف يبقى الطبيب معنى الروح الطيبة، والقلب الصافي المُحب للخير والذي لا يليق به طغيان غير مبرر ولا رغبة في صفقة تجارية لن يربح منها سوى غياب لضمير مهنته وتآكل لمصداقيته.
فوجود طبيب يهتم بالمبلغ الذي سيحصل عليه، قبل التفكير في صحة مريضه واستقرار حالته، أو آخر يظن أنه بفرض سلطته العاجزة سيسترجع كل ما ضاع منه وما فاته، لا يبشر بالخير أبداً، بل ويعكس الصورة التي يصفها لسان الحال بطريقة مؤلمة جداً.
وبعيداً عن الحق والواجب، وعن كل ما هو مُدون في الكراسات، فالطب مهنة غير متاحة للجميع، وإن أُتيحت، فلن يتقنها سوى الشغوفين بالحياة والذين تسكنهم أساليب التضحية الصادقة والمخاطرة للوصول إلى الهدف.
وأن تكون طبيباً لا يعد بالأمر الهيّن بقدر ما يحتاج إلى طاقة وجهد كبيرين والكثير من الصبر.
أن تكون طبيباً؛ يعني أن تكون وفياً لقسم الساعات التي قضيتها بين أوراق لا تعد ولا تُحصى، يعني أن تعيش حزن مريضك وأنت تخبره بتدهور حالته، وأن تشارك فرحة أم بشفاء طفلها، أي ستحظى -بازدواجية المشاعر- في لحظة واحدة..
أن تكون طبيباً، يعني أن تكون سبباً في شفاء جروح وآلام أنهكت صاحبها من شدتها، يعني أن تتعلم كيف تكون أمل الآخرين ورغبة في صباح أفضل.
وبالإضافة إلى كونك طبيباً، فأنت تعريف للإنسانية وتقديس لتجلياتها؛ إذ وجب عليك الإيمان بأن علاج ذلك المريض الذي يعيش على حافة الحياة والموت، مع الحفاظ على خصوصيته مهمة لا ينبغي التخلي عنها، وواجب لا يمكن الإفلات منه، وإن لم تكن مؤمناً بهذا، فلا تكن طبيباً.. أرجوك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.