منصب إداري

عملت بعدة مؤسسات وشركات وصادفت الصالح والطالح طيلة الاثني عشر عاماً، وصرت على يقين بأن ما يجعل المؤسسة خاوية على عروشها هو إدارتها، فحين لا يكون لتلك الإدارة التزام بما لها وما عليها، وحين لا يكون لديها أولوية للتقييم، وحين لا تعرف سوى العقاب دون الثواب فلا تتوقع منها أي نجاح ولو على مستوى المطبخ

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/26 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/26 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

الإدارة أخطر ما يهدد أيَّ مؤسسة أو شركة أو حتى محل بيع صغير مهما كان حجم المكان والعمل، فإن إدارته وطريقة التعامل مع محيط المنصب الإداري أمر غاية في الأهمية والصعوبة، فمن الممكن أن يكون قرار بسيط سبباً في ثورة نشاط للعاملين أو عكس ذلك تماماً، وهذا ما قد يسبب كارثة حقيقية لصاحب العمل من حيث يعلم أو لا يعلم، فأهمية اختيار الشخص المناسب للمناصب والمكان المناسب بداية نجاح أو فشل، ولأن عنوان القصة يتصدر دائماً محتواها، فإن قصة ذلك العمل ستكتب باسم الشخص المشرف عليه، ومن هنا نعرف باقي القصة، فكما يقال: "الكتاب يعرف من عنوانه"، كذلك العمل يعرف بمديره، ويقال: "عندما لا يوجد البستاني لا توجد الحديقة".

عملت بعدة مؤسسات وشركات وصادفت الصالح والطالح طيلة الاثني عشر عاماً، وصرت على يقين بأن ما يجعل المؤسسة خاوية على عروشها هو إدارتها، فحين لا يكون لتلك الإدارة التزام بما لها وما عليها، وحين لا يكون لديها أولوية للتقييم، وحين لا تعرف سوى العقاب دون الثواب فلا تتوقع منها أي نجاح ولو على مستوى المطبخ، والأدهى والأمرّ إذا كانت آلية التقييم يضعها من هو بحاجة للتقييم أصلاً، ويسمح لنفسه بارتكاب أخطاء تؤدي إلى دفع العاملين إلى المعاملة بالمثل، لا سيما إذا كان الغبن فاحشاً والتعسف واضحاً ولا بنظرة ولو خاطفة إلى الإبداع والخبرة في إنجاز العمل.

إحدى المؤسسات التي عملت بها لديها آلية تقييم يجب أن تدرس في الجامعات والمؤسسات الإعلامية على أنّها الأسوأ نموذجاً على الإطلاق؛ حيث قام المسؤول الإداري بـ"تجربته الأولى في هذا المنصب"، قام بعمل تقييم هو ومساعده للموظفين العاملين في المؤسسة وبطريقة فيها شيء من الاشتراكية تقرر أن يكون التقييم كالآتي: مَن له مسؤول يطالب بتقييم معين له، يحصل عليه، ومن له شيء من الود ينال التقييم الجيد، على قدر ذلك الود، أما مَن له الخبرة والعمل المميز، تتم مساواته مع مَن يرى المسؤول أنه يجب أن يحصل على أعلى التقييمات، بحجة أنَّ له مرتباً لا يتناسب والاشتراكية المطلوبة، لكن ماذا سيحصل بعد هذا التقييم؟ أمر لا تفكر فيه الإدارة الناشئة.

بطبيعة الحال سيحاول المحترف العمل كما يعمل من حصل على تقييم أفضل منه ليس لأنه يريد أن يصبح مثله، لكن لماذا يجهد نفسه وذهنه والأمر يسير بهذا الشكل؟ ولماذا يعطي لمن لا يقدر العطاء؟ التعامل بسذاجة بقصد أو دون قصد مع العاملين في أي مكان ما لن يكون الطريقة المثلى لتمرير الظلم والتعسف في المنصب، وخصوصاً إذا غابت الحرفية والمهنية عن الشخص المعني بالقرار، فعندما يكسر الإنسان بقرار غبي لن يكون رد الفعل أذكى من القرار الأول، فالدافع يموت والإنجاز ينتهي، والإبداع يختفي بسحبة قلم غير منصفة وبعيدة عن المهنية العملية والعلمية، وكما ويقال: "القائد هو بائع الأمل، ويجب أن يوضح المستقبل لمن يعملون معه".

ومن وجهة نظري كعامل وكمتابع للعديد من الأصدقاء الإداريين والعاملين، أنصح المعنيين بوضع آليات واضحة ومفهومة سواء للإدارة أو لبقية العاملين، حتى يتم فهم سياق التنظيم والعمل والتقييم لذلك، فمن غير المعقول أن تكون العشوائية والمحسوبية والعاطفة غالبة على النظام والقانون الداخلي للعمل والذي رأس ماله النظام العام المعلوم لكل من يدخل ويخرج في ذلك العمل، كما أن وضع نظام مفهوم يحمي المؤسسة قبل العامل فيها؛ حيث إن نجاح الشركة بقوة نظامها لا بفوضوية إدارتها وعشوائية قراراتها البعيدة كل البعد عن هدف المؤسسة الأسمى ألا وهو التميز والنجاح، فإذا كان من يصنع النجاح داخل تلك المؤسسة محبطاً منها كيف لمن هو خارجها أن يقتنع بما تصنعه أو تقدمه إليه؟ لا سيما أن السوق اليوم مليئة بمثيلاتها من المؤسسات التي تسعى وتطمح أن تكون نجماً في سماء التفوق، لا حجراً في قعر أرض رخوة لا يعرف متى تهتز تحته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد