جَلست ذات يوم أتذكر اللّحظة المحورية التي توغل فيها حُب الكلمات لقلبي، ولكنني لا أذكرها فعلاً… كيف! لا أدري. لا أدري سِوى أن الكلمات أصْبحت رفيقتي التي لا تمل مني أبداً. تسألت: هل نَشأ حب الكتابة معي وظل يكْبر داخلي دون درايةٍ مني إلى أن أصبح الحِلم المرجو تحقيقه. نعم! إنها الكلمات التي أصبحت تدريجياً جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي.
في بادئ الأمر، كانت علاقتي بالكلمات محدودة وطبيعة جداً مثلي مثل أي شخص عادي، احتكاكه المباشر بالكلمات لا يتعدى الدراسة. لم أكن حتى تلك الطالبة التي تحصد علامات كاملة في مواضيع التعبير، ولا المراهِقة التي تكتب خواطرها في مذكرة سرية، حتى إنني كنت أَمْقُت حصص اللغة العربية.
ولكن على الرغم من ذلك كنت شغوفة جداً بحصص الشعر، كنت أقوم بقطع صفحة القصيدة التي تعجبني من كتاب المدرسة وأحتفظ بها.. لم تكن هناك أي مقدمات تبشر بوجود شغف الكتابة داخلي. ولأن أجمل الأشياء التي تأتينا هي تلك التي لا نتوقع حدوثها على الإطلاق.. وقعت في حب الكلمات.
كانت بداية قصتي مع الكلمات حين أقبلت على التخرج في الثانوية العامة، التي سأسافر بعدها لإكمال دراستي الجامعية، فقررت أن أشتري دفتراً صغيراً ينتقل بين صديقاتي، لتكتب كل منهن ما يُخلد أيامنا بذكرياتها الجميلة، ويصل لي الدفتر في نهاية العام -كان لمعلماتي نصيب من هذا الموضوع- لا أُخفي عليكم فضولي الذي لم يفارقني طِوال العام وكَم كنت أتشوق إلى تلك اللحظة التي سيصل لي الدفتر فيها.
كان يدفعني فضولي أن أختلس النظر لصفحاته في تلك اللحظات التي يصل إليَّ فيها لأعطيه للأخرى. لم أكن قد اكْتشفت قدرتي على الكِتابة بعدُ، ولكنني الآن أتساءل: هل يُعد هذا الفعل طَرف الخَيط كما يقولون؟
تحمل تلك الدفاتر بين طَياتها أجمل كلمات قرأتها في حياتي، وتسْكن صفحاتها مشاعر صادقة لا تخرج إلا على ورقة. أعْشق تلك اللحظة التي أجلس فيها بين دفاتري، وبقراءتي لها صفحة صفحة أحسُّ أني ملكت العالم، واستطعت أن أَجْمع ذكرياتي مع أصدقائي في جلسةٍ واحدة ومكانٍ واحد. فتلك الكلمات وذاك الاسم المُذيل بآخر كل صفحة بمثابة آلةٍ زمنية تأخذني إلى ماضٍ أشتاق إليه وأنا في واقع الأمر لم أبرحْ مكاني..
كُنت بارعة في توصيل إحساسي بالكلمات -كما أجْمعت صديقاتي- فعِند حُلول أي مناسبة لإحداهنْ تَكمن داخلي أحاسيس لا أستطيع الإفصاح عنها سوى بكلماتٍ مكتوبة… وبدأ حُب الكَلمات يتسلل داخلي!
ثم بَدأت بذرة الحُلم بالنضوجْ.. من دفتر الذِكريات وحُب الشعر إلى "جائزة البوكر"!
"سَاقْ البَامبُو" هِي رواية ومسلسل أيضاً؛ بمجرد عِلمي أن تلك الرواية حَصلت على جائزة البوكر -الجَائزة العَالمية للرّواية العربية- أُضيء داخلي نور الشغف، وأدركت أن تلك الجائزة هي حلمي الذي لطالما بحثت عنه؛ لذا "قد يكمن داخلك شغف وإيمانٌ شديد تجاه شيء معين لا تكتشفه إلا صدفة، ولكن وقتها يستوجب عليك ملاحقته إلى أن تصل إليه".
الكِتابة ليستْ بالأمر السهل أبداً. فمهما وصل جمال كلماتي بالطبع تظل عملية ترتيبها في ذهني والوصول للكلمة التي تعبر عن المعنى الحقيقي المَحْفور في أعماقي -رُغم صُعوبتها- هي الأحب لِقلبي. في أثناء كتاتبي ذات يومٍ قصة قصيرة اسْتوقفني سِحر انتقال الكلمات. كيف لها أن تتحول لهذا الجمال بِمجرد التَّلاعب بها قليلاً! فكانت الجُملة في أول مسودة:
"فتاة ثلاثينية، بوزن مثالي، وطول متوسط، يكاد يشع وجهها نوراً، بوجنتَين كرزيتين، لها عينان بلون خضرة الشجر، وتستقر فوق شفتها شامتان". لتصبح "فتاة في عقدها الثالث، ممشوقة القوام بزهرتي ياقوت تسكن وجنتيها، ترى في عينيها امتزاج خضرة اليابس بزرقة مائه، وتستقر فوق شفتها شامتان؛ أحدهما تكبر الأخرى، ليكتمل بهما وجهها البدري".
الكلمات ليستْ حُروفاً مصفوفة جنباً إلى جمب وحسب بل إن حياتنا تتمحور حرفياً حولها. فكل ما حولنا خُلقت لأجله كلمة تُشبهه. كلمة تلعب دوراً في أذهاننا وقلوبنا إما أن نحبه أو نكرهه. كلمات كبيرة مخيفة ومعانيها صعبة ( خِيانة ، وجَع ، جرحْ ، فراق ، مَوت ،حجيم ) وكلمات جميلة ومريحة ( سَلام ، صداقة ، حُب ، أبيض ، حمامة ، جَنة ). الأهم من جَمال أو بشاعة الكلمة أن تُقال الكلمة للشخص المناسب في الوقت والمكان المناسبين وإلم يتحقق أحد تلك الشروط جازلأي كلمة مهما كان معناها أن تتحول للمَعنى المُضاد وصَارتْ هباءاً منثوراً !
بكلمة واحدة تبدأ قصة وبكلمة تَنتهي ، فالكلمات هي ذاك العنوان المشوق الذي يثير فضولنا ويجُّرنا لمحتواه ، وهي التي تُرص جنباً إلى جنب لتجبرنا أن نتوغل في قرأة ذاك المحتوى إلى أن نتفاجئ أننا للتو إنتهينا. حتى الأغُنية المفضلة لكل منا ليستْ سوى كلماتٍ أحببناها لأنها لمستْ ذاك الجزء البَعيد داخلنا. مَن مِنا لا يعرف قدر الكلمات ! مَن مِنا لا تتغير ملامح وجهه تلقائياً بمجرد قرأة كلماتٍ أو حتى كلمةٍ واحدة أُرْسلت من شخصٌ غالي. جملة واحدة قادرة أن تُنبت في القَلب زهراً وأخرى تَعصفُ به وتتركه أرضاً جرداء ، كلمة تُسَكنُ وجعاً وكلمة تخلق وجعاً ؛ لذلك لا تُنسى الكلمات أبداً مهما كان مضمونها. نَحن دائماً بحاجة للكلمات.. بِحاجة لقرائتها وسماعها. وفي مواقف كثيرة تكون الكلمات هي البطلة الوحيدة طيبة كانت أو قاسِية !
لماذا أعْتز بالكلمات ؟ لأن الكَلمات تنبعث منها معاني ، وتَنبع من داخل معانيها أحاسيس لا تعوضْ ! كلٌ مِنا لديه جانب داخلي لا يستطيع البَوح به إلا بالكلمات منطوقة كانتْ أو مكتوبة !
حَتى أولئك الذين ظنوا يوماً أن الكلمات لا تعني لهم شيئاً كان لِكلٍ منهم كلمة تأسر قلبه دوناً عن باقي الكلمات ، وكلمة يكرهُ رؤيتها أو حتى سماعها لأسباب قد تكون من وجهة نَظرك تافهه لكن من وجهة نظره جوهرية. لو كنت لا تعرف قدر الكلمات فإليك إجابات البعض :
– بحب كلمة ( أنا معاكي ) جداً.. وفي نظري هي أحلى كتير من كلمة بحبك عشان بتحسي جواها كدة معاني كتير وأهمها الأمان..ممكن حد بيحبك بس ميعرفش يحسسك بالأمان يعني تكونوا مع بعض والمفروض إن في حب بس طول الوقت خايفة ومش حاسة اللي المفروض يتحس في الوقت ده. يعني الفعل عكس الكلام والكلام مش ماشي مع اللي بيحصل. بتخيل لو كل حد كان مع التاني فعلا والله مش هنكون خايفين وعلى فكرة مش لازم تكون علاقة حب بين شخصين. وبكره كلمة ( ياريت ) دايما بتعبر عن حاجة حلوة مش موجودة وبيكون الإحتمال الأكبر إنها مش هتكون موجودة.!
– أكتر كلمة بحبها ( مبنساكيش) عشان بحس إني باقية على الشخص دا وإحساسها بيهون شوية لو قعد فترة ميسألش وبكره أي شتيمة حتى لو كانت هزار.
– بحب أووي كلمة ( عشانك ) ولما حد يقولي عامل حاجة عشاني حتى لو مش حاجة كبيرة ولا مهمة أووي. وبكره لما حد يقول على أي بنت أيا كانت إنها ( وحشة أو مش حلوة ).
– بحب كلمة ( المفاجأة ) لما حد يعملي مفاجأة حلوة أو أنا أعمل مفاجأة لحد بحبه.
و أكتر كلمة بكرها ( البعد ) وبخاف منها بمعنى أصح ، بخاف إني أتعلق بحد وفي ثانية ألاقيه إختفى.
– ( شمس ) هي أكتر كلمة بحبها عشان بتوصل لي إحساس بالنور والبداية الجديدة.
و كلمة ( إنتي كدابة ) عشان حد في مرة قالها لي وأنا مكنتش بكدب وحقيقي الكلمة جرحتني أووي.
– أكتر كلمة بحبها ( قلب القلب ) عشان خالي الله يرحمه كان دايما بيقولهالي وهو كان أبويا بجد وحالاً لما بقول الكلمة دي أو أي حد بيقولهالي بحس إنه لسه عايش وعمره ما هيموت جوايا. ومش بقول الكلمة دي لأي حد لازم يكون قريب مني جداً ويستحق حاجة حلوة زي دي.
– كلمة ( البساطة ) هي رقم واحد عندي وأجمل كلمة بالنسبالي عشان " البساطة تخترق القلوب ". وبحب كلمة ( إنسان عظيم ) عشان كلمة إنسان فيها كل المعاني الجميلة الإيجابية وكلمة عظيم بشوفها أفضل كلمة لوصف إنسان على خُلق وإنسانية عالية.
بكره كلمة ( النميمة ) عشان دي أبشع فعل. وكلمة ( مصطنع ) عشان أوحش حاجة بتنرفزني.. ممكن أقبل كل العيوب إلا إنه يكون مصطنع.. لكن لو حد على طبيعته حتى لو طبيعته دي مش حلوة تأثيرها بيكون أسرع وأقوى للقلب.
– أحب كلمة ( الحياة ) لأن الحياة جميلة حتى لو بها بعض المتاعب لكن هذا لا يعني أنها سيئة..
و أكره كلمة ( الشر ) لأن الشر دائماً يؤذي. "إجابة طفلة بعمر التاسعة "
– أكتر كلمة بحبها ( الإنسانية ) عشان بتجمع جواها كل حاجة حلوة وبتبعد كل حاجة وحشة.أكتر كلمة وحشة ( العنف ) وأقصد بالعنف هنا جميع أنواعه من أول الكلمة الوحشة مروراً بالهمجية في التعامل وصولاً لإنتهاك الحقوق إلى آخره.. بكره العنف بجميع أشكاله.
– أكتر كلمة بحبها ( حب ) عشان فيها كل حاجة آمان وطمأنينة وإحترام وكل حاجة حلوة.
و بكره كلمة ( ذل ) عشان فيها من الضعف ما يكفي وفيها غلبة.
– بحب كلمة ( أنا في ضهرك ) بحس إني مسنودة على حد ومفيش حاجة هتوقعني طول ما حواليا صحابي.
و بكره كلمة ( إنتي حرة ) عشان أنا ممكن أكون بكلمك في حاجة وبشاركك معايا ولو قلت حاجة مش عجباكي تقوليلي خلاص إنتي حرة.. ف دي حاجة بتعصبني لأني عارفه إني حرة بس يهمني رأيك.
– أكتر كلمة بحبها ( أنا معاكي أهو ) عشان معناها تحمل المسئولية والأمان وإن اللي بيقولها بيحتوي وبيطمن اللي قدامه.
و بكره ( ماليش دعوة ) عشان هي هروب من المواجهة والمسئولية حتى لو فعلاً الشخص مالوش دعوة بس هي تدل على إن الشخص بيسحب إيده مقدماً.
– أكتر كلمة بحبها ( الحب ) عشان هو كل حاجة لينا وهو اللي بيدينا طاقة حلوة لكل حاجة سواء حب الأب أو الأم أو الأطفال أو الزوج والزوجة… الحب يعني الحياة.
أكتر كلمة بكرهها ( النفاق ) عشان بجد معناه وحش جداً إزاي يبقى حد معاك وبوشين.. قدامك كويس ومن ورا ضهرك بيقول عليك كلام زي الزفت!
– الكلمة اللي ممكن تقولي إني بحبها ( جدعة ) عشان بترضي نفسيتي.. شعورجميل بحسه لما أقدم حاجة لحد وأحس إني رضيت نفسي بالموقف اللي عملته.
أما الكلمة اللي مش بحبها.. مش عارفة هو مش كلام بعينه بس أنا مش بحب الكلام المزخرف اللي فيه مدح كتير وخصوصاً لو من حد مش قريب مني عشان بحسه مش حقيقي وبحس فيه جزء من النفاق ومش بعرف أرد عليه.. وعموماً المواقف هي اللي بتفرق مش الكلام.
– أنا في كذا كلمة بحبها وبكرهها بس أنا بتفرق معايا من الشخص أكتر يعني كلمة ( وحشتيني) لو من حد بحبه بالنسبة لي أجمل كلمة ، بس لو حد عادي أو مش قريب مني بتكون سخيفة ومش بلاقي ليها رد. وبحب لما حد يقولي ( إنتي جميلة ) لأني بشوفها وصف رقيق وجميل وكلمة بتلمس القلب كدا.
– الكلمة اللي بحبها ( الطمأنينة ) بحس إنها مريحة للقلب والأعصاب وإحساسها للأسف مبنقدرش نوصله ؛ ومش محتاجين أكتر منه. الكلمة اللي بكرهها ( جايز ، احتمال ) مبيدوش عقاد نافع وبيثيروا الحيرة جوا الإنسان أكتر ، بالضبط زي إحساس " إن شاء الله " اللي كانوا أهالينا بيقولوهالنا وإحنا صغيرين !
** لماذا أنا رفيقة الكلمات ؟
مرت عليَّ لحظاتٍ لم أجد فيها أصدق وأجمل من الكلمات لأُطلق لها عَنان التّعبير بدلاً عني ؛ آنذاك أدركت أن علاقتي بالكلمات لن تتوقف عند هذا الحد. ليالي الإكتئاب والتفكير والخوف من المستقبل لم تكن لتهون دون الكلمات..لأني رأيت فيها مستقبلي – في كل مرة أكتب فيها أستعيد ثقتي بنفسي وحبي لروحي – جعلتني لا أنتظرأحد ولا أنتظر شيئاً ، وعرفتني قدر نفسي.. قضت على وقت الفراغ القاتل وعلى ملل الحياة الرتيبة. وجود الكلمات في حياتي حقاً أضاف ليا الكثير وجعلني أتعمق في معاني الأشياء حولي خاصة أدقها. بكل بساطة بالكلمات فقط يتسع من حولي ذاك الكَون الذي يطْبق على أنفاسي فَجأة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.