قل لي ماذا تقرأ.. أقل لك أين أنت؟
عندما نطرق أبواب العوالم السحرية في القصص ونخترق جدران الروايات الوهمية، فإن القصة أو الرواية سرعان ما تتحول إلى بيت نسكنه ونأنس بصحبة ساكنيه ونشعر بالطمأنينة في أرجائه.. إنه الشعور الذي يغمرنا بمجرد أن نفتح باب البيت وندخل إليه، فما الذي يحوّل القصة إلى بيت نسكن فيه؟
كثير من الناس ينظرون إلى الماضي بمتعة وسعادة عندما يتذكرون قصصهم المفضلة منذ الطفولة، فوقت قراءة القصة مع أطفالك، يمكن أن يكون وقتاً خاصاً يتذكرونه طوال حياتهم، سواء كنت تروي لهم القصص من مخيلتك أو تقرأها من الكتب.
وما زلت أذكر حتى اليوم كيف كان يحكي لنا أبي قصة "الجميلة والوحش" بإسهاب؛ حيث كان يضفي الكثير من الوصف المحبب على شكل القصر وعلى الحفلة الراقصة في نهاية القصة، حتى الوحش… كان يبدو لنا أليفاً جداً من نبرة صوته وارتدائه للبيجامة الحريرية، إضافة إلى المؤثرات الصوتية التي كان يخترعها أبي بتلقائية وعفوية فيشدّ انتباهنا ونشعر معه بسعادة لا متناهية.
في نهاية الأمر، صرت أتخيّل كل قصة بيتاً لي وكنت أحفظ تفاصيل رسوماتها الصغيرة التي كانت تشدني إليها فلماذا أصبحت القصة بيتًا لي؟
– قد تكون القصص من أهم الطرق التي يتعلم الأطفال عن طريقها الاستمتاع بالقراءة. ومع مرور الوقت، سيصبح الأشخاص الذين نقرأ عنهم أصدقاءنا وعائلتنا، وقد تصبح القصة كالبيت الذي نلجأ إليه كلّما شعرنا بحاجتنا إلى السكينة والاطمئنان.
– قد نرتبط عاطفياً بالقصص، خاصة إذا ما اعتدنا على سماعها منذ نعومة أظفارنا في مناسبات محدّدة أو من أشخاص محدّدين، وأنا أذكر أن جدتي كانت تكرر على مسامعنا القصص التراثية المسجوعة عندما كنّا نزورها في فصل الصيف، وكنّا لا نملّ سماعها أبداً قبل النوم.
القصص إذا ما قُرِئت للأطفال في السنوات الأولى من حياتهم بصوت عالٍ فلا بدّ أن تترك أثراً جميلاً في النفوس، هذا الأثر سيعود بنا بعد مرور السنوات وبعد أن نصبح كباراً إلى البيت الأول حيث جلسنا في أحضان الآباء والأجداد.
– من الممكن أن تساعد القصص الأطفال في التعامل مع العديد من المشاعر والمشاكل، وتربطهم بالعالم الكبير من حولهم وهم مستمتعون بإطلالتهم عبر نوافذها على كل ما هو جديد ومفيد… إنها كنوافذ البيت التي يترقب الطفل منها عودة والده من العمل أو زيارة جده وجدته في العطلة الأسبوعية محملين بالهدايا.
– التشابه بين أحداث القصة وتفاصيل حياتنا اليومية يجعلنا نشعر أحياناً أننا أبطالها، وأن هذه الأحداث تخصّنا وربما شعرنا بأن الكاتب كان يعرفنا أو يعيش معنا في نفس البيت.
– القصة كالبيت فهي تساعدنا على الاسترخاء تماماً مثل الأريكة التي نجلس عليها بعد عناء يوم طويل… وكما ننتظر هذا الوقت لنتمدد ونحمل الريموت كونترول لمشاهدة برنامجنا المفضل، فإن الطفل الصغير يجد في القصة أريكته التي يستحقها بجدارة للاسترخاء عليها قبل النوم في بيته؛ حيث لا مكان في الكون بروعة المنزل.
لكل واحد منّا كتابه المفضّل وقصته الأولى التي بثت في قلبه النبضة الأقوى، وأشعرته بالحب، ألا يشبه ذلك البيت الأول الذي مهما ابتعدنا عنه فلا نكنّ له سوى مشاعر الشوق والحنين؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.