يُصادف اليوم مرورَ سنةٍ على ميثاقنا الغليظ، الذي كان عهداً منا على الحبّ المتبادل والفهم العميق لبعضنا ونذرنا حينها نذور الزواج بالانتماء والاحتواء السرمديين.
ليس بسيطاً أن تختار لباسك اليومي أو ماذا ستأكل اليوم وإن كنتِ فتاةً فيعتبر اختيارك لما سترتدينه في مناسبةٍ خاصة لديك أمراً كارثياً، فما بالك إن كنتِ ستختارين زوجاً لكل أعوام عمرك الباقية -أطاله الله- لكنّ بها بكل خير؟!
الزواج برمّته كان أمراً مرعباً بالنسبة لي كوحش الخزانة بالنسبة للأطفال، كيف لي أن أوافقَ على شخصٍ وبأن أقدم له حياتي وأنا بالكاد عرفته؟ وهل سيقدم لي حياته بالمقابل أم سيكون قدري تجاهلاً واستغلالاً مثلاً؟!
حالات كثيرة كانت حولنا تزيد خوفي ورهبتي، فالمشاكل والضرب والإسفاف والاستخفاف يسمع بها الجميع، لكن عندما يُحبُّ الشخصُ شريكَه يغلقُ على نفسِه الباب خوفاً من الحسد!
مجتمعات مريضة غريبة، تُصدّر الكُره والمشاكل والطلاق عنوةً وبكل فخر وتُخبّئ الحُبّ ظناً منها أنها ترعاه، لكنها في الحقيقة تقتل الإيمان وثقة الآخرين، وتغتال الأمل بحياةٍ جميلة وتجعلهم يستغربون ويركضون وراء كل قصة زواجٍ ناجحة، وإن كانت وهماً!
أتذكر منذ فترة أنني رأيت تصريحاً من فتاةٍ كانت هي وشريكها نقطة جذبٍ على السوشيال ميديا بحكاية حبهما الخيالي؛ حيث تابعهما الجميع بلهفة في كل خطواتهما، وشاركوهما بتحقيق زواجهما في النهاية، كما تمت استضافتهما في برنامج تلفزيوني ثقيل العيار كونهما وجهةً للعشاق ومنارتهم.
المهم أن المنشور كان يحتوي على قرارها بالطلاق بعدما اكتشفت سوء اختيارها وكون الحبيب لم يعُد حبيباً، كانت أغلب التعليقات أنها كسرت تمثال الزواج الذي بنوه في عيونهم، وأن كلامها أفقدهم إيمانهم بالحب بعدما جعلتهم يسترجعونه والكثير من المعاني المُحبطة.
نستشف من ذلك شغف وعطش الشباب لأي نجاحٍ أسريّ، وحاجتهم لأي بصيص أمل بصدق الآخر والثقة بوجود الحب، وذلك من كثرة الإخفاقات المتتالية وكثرة الأخبار المرعبة عن الخناقات والطلاقات والأسباب المريعة التي نسمعها كذلك.
أصبح الناس يهرولون وراء أي سراب، وشهدنا كثيراً من قصص المحبين نُشرت بغرض الشهرة أو غيرها من الأسباب، وبعدما انقشع الغبار كُسرت آمالُ الكثيرين بحقيقة الزواج الناجح والحب الأبدي، وزاد الأمر وبالاً.
لذا كان الإختيار يقع على كتفي كالجبال بل أشد؛ لخوفي من سوء الخيار أنا أيضاً.
ومع كثرة القراءة ومعاركي النفسية لاستكشاف ذاتي وضعتُ قواعدي الأساسية للاختيار، فإن لم أكن أفهمُ نفسي واحتياجتي كيف لي أن أختار فأوافِق وأرفض المتقدمين!
وجاء أحمد.. أهلي ملمّون بأفكاري واثقون بعقلي جداً وعارفون مدى رجاحة قراراتي؛ لكنهم كانوا واقعين تحت تأثير خوفٍ فظيع، فعلاقتنا القوية وحبهم الأسطوري لي كانا موقع عقبة كبيرة في البداية ففكرة الزواج بعمومها صعبة فما بال الزواج من "غريب"، كما يقولون فالمكان بعيد والوصول لي صعب، وهنا بدأت حرب الأسئلة الجدلية التي لم يعرف أحدٌ لها جواباً "وكيف إن لم تتوافقا وإن لم تنسجما وإن لم تصدقا وإن لم تتحملا المسؤولية؟!".
وكان الجواب: "الجنسية لا تشكل فارقاً خطيراً، بل الشخص وهذا ما لا أضمنه مثل أي شاب آخر تقدّم".
خوفٌ كبير ومسؤولية أكبر وثقة موضوعة على الطاولة بحذر جمّ!
بالنسبة لي الزواجُ يبقى زواجاً، سواء من ابن بلدك وحامل جنسيتك أم غيره؛ لذا إحدى قواعدي الأساسية لم تكن تتبنى جنسية معينة، بل على العكس كنت دوماً ممن يحبّ التغيير والاستكشاف فلديّ صداقات حقيقية من كل البلدان، ومنها ما قد مرّ عليها 6 سنوات وأكثر؛ لذا لم يكن من الصعب تجاوز فكرة الزواج من مصري أو غيره كما أنني وسط بيئة فيها من تزوج من عراقية وجزائرية، وهناك من تزوجت تركياً وأردنياً، وأخوال جميعهم متزوجون من أجنبيات، فالفكرة نوعاً ما رائجة في وسطنا أكثر من غيرنا، لكن يبقى الخوف سيد الموقف فالحياة لم تعُد محلّ ثقة ودوماً تفاجئنا بالجديد!
بعد المراسلات والخطابات والاقتناعات والصراعات ثبتت الفكرة.. وكان اللقاء، في رحاب الحرم المكي وبجوار الكعبة كان لقاؤنا وما أطيب اللقيا بعد ميعادِ.
توافقت الرؤى وقوبل الطلب بصدرٍ رحب وبدعوات قلبية وتمت الفاتحة في أكناف الحرم.
جاء كتبنا الكتاب، أذكر حينها ما واجهناه من إجراءاتٍ مُهلكة للأعصاب والجسد بسبب البُعد وكمية الورق الذي احتجناه لإتمام المهمة من وزارة الخارجية لمباني وزارة الصحة وكذلك المحكمة وغيرها وغيرها من المتطلبات الكونية لإثبات شخصين أرادا الزواج لا غير، المهم في النهاية كتبنا الكتاب.
وأزيدكم من الشعر بيتاً أيضاً هناك من كُتب كتابها قبلي بيوم واحد من نفس مدينتي وعند نفس المأذون من مصري أيضاً وهذا ما ذكره لنا المأذون منذ لحظة معرفته بجنسية العريس، فرواج فكرة تعدد جنسيات الأزواج بات أمراً شبه موجود بشكل اعتيادي وبالتأكيد لا يخلو المجتمع من إبداءِ اندهاشه أحياناً، واستغرابه أحياناً أخرى في كل مرة.
الأمر الأساسي والأول هو الفكر المتوافق وتقديم النفس واحتواؤها؛ إذ كان الأمان بالنسبة لي هو شخصٌ يحتويني بفكري، بعقلي، بإيمانياتي، بأحلامي وطموحاتي -وهي الأهم- فأجده داعماً لا خائفاً مني بسببها وأحمدي -والحمد لله- كان سنداً ووتداً إضافياً لدعم أهلي المتواصل، فلم أجد الزواج وحشاً وبدأت تتلاشى فكرة الخوف لديّ تدريجياً.
انتقلنا للتعارف الفكري، ونحن بالمناسبة لسنا نسختَين، يوجد بيننا اختلافاتٌ لا بأس بها واهتماماتٌ متنوعة وربما متناقضة، لكن الاحتواء وتقديم الآخر على النفس كان نقطة الالتقاء دوماً.
وهذا ما أبعد عنا أي خلافٍ بناءً على العادات المختلفة جداً بيننا، لم يكن هناك تطبيق لخرف كيلوهات الذهب ولا لحتمية وجود "نيش" في عشنا الصغير.
اتفاقنا الأساسي كان يحتوي على كوننا وقعّنا ميثاقاً لروحَينا، فالماديات كانت بعيدة ولم تقف ثانية بيننا، وكذلك يرجع جمال ما حققناه لأهلي وأهله وسعة فكريهما وجمال إيمانهما بخياراتنا.
المجتمع كان العقبة، بكثرة الأسئلة وكثرة التدخلات وكثرة الاستفسارات المملة القاتلة وكذلك القوانين المُتّبعة في كل بلد، فتوثيق الزواج كان سَمجاً أكثر من كونه متعباً.
تطاردين معاملات سخيفة لا معنى لها، وتبالغين في الحصول على التواقيع والأختام التي لا تأبهين بها، وفي النهاية تدفعين مبالغ لا تعلمين سببها!
ما يُلطّف الأجواء هو أننا في النهاية صرنا زوجاً وزوجة في ثلاثة بلدان.
الزواجُ يحتاج عقلاً وقلباً، يبدأ بفهم النفسِ ومتطلباتها؛ لتصل لحسن الخيار ومن ثم الحرص الدائم على استمرار الذوق في العلاقة والحصول على الرضا من الطرف الآخر، وأقصد بالذوق هو الاحترام المتبادل والبُعد كل البعدِ عن رؤية الاختلافات كخلافات بل استخدامها للوصول لتكاملٍ بهيّ الطلة جميل المُحيّا.
احرصوا على حصول أرواحكم على ما تستحقه، استخيروا كثيراً، وادعوا الله كثيراً بشريكٍ يناسبكم، ولا ترضخوا للمجتمع بسبب طول فترة الانتظار، ولا تصغوا لكثرة الزنّ، فاللحظات الجميلة القادمة تستحق تعبكم وجهدكم وجهادكم.
كان الله معكم، وهو الموفق لكل خير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.