رسالة من المنفى (قصة قصيرة)

العالم بعد سنة 2030 ميلادية

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/21 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/21 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش

العالم بعد سنة 2030 ميلادية.
فتح الحرّاس الباب الحجري المثبت أفقياً على الأرض فتحاً آلياً، ذاك الباب الذي يفصل البشر إلى عالمين علوي وسفلي، أغنياء وفقراء، هو كقضبان السجون، ولكنها سجون منفية تحت الأرض.

فتحوه ليلقوا بحمزة بتهمة الجريمة الكبرى، جريمة الفقر المدقع، جريمة توجب العزل والنفي الفوري.

جريمة اقترفها 90% من سكان العالم العربي والغربي آنذاك.

تلقّفه أهل المنفى خشية التردّي، وأجلسوه، وتبادلا الحديث برهة، حتى إذا ما انتهيا سرعان ما أعدوا له فراشاً وربع رغيف خبز مطعّم بقوت الجُرْذان.

رقد حمزة على ظهره، وأخذ يفكر في مشهد القبض عليه، فقد ظلتْ شرطة الإمبراطوريّة تطارده سنوات، وأخيراً أوقعوا به وهو متنكرٌ في ثياب الأغنياء.

تعايش حمزة الفقر معهم، غير أنه حانقٌ متبرّمٌ، ذاك لأنه لا يرضى الذلة ولا الهوان.
ومن صفته أنه رابط الجأش شديد المراس قوي الشكيمة، فضلاً عن سعة حيلته وقوة حجته وفصاحة لسانه.

عاين ما كان يسمع من قبل، غير أنه لم يتصور بشاعة الأمر إلا بعد معاينته.
قوم يعيشون على أضواء الشموع في قوالب طينية بالليل والنهار والمستخرجة من النباتات.

يشربون من المياه الجوفية في الأرض، وماء المجاري، غير أنّ بعضهم يموت إذا تعذّر الوصول إلى الماء.

وما إنْ يفارق الفرد منهم الحياة حتى يتحول إلى طعامٍ لغيره، علاوة على أكل الفئران والقليل من الزروع التي يسمّدونها أحياناً من برازهم.

يموت بعضهم من قلة الهواء وصعوبة التنفس، وقد ينامون أحياناً فوق بعض لعدم وجود مساحة كافية، ورائحة الأمكنة تدفع المعدة على التقيّؤ.

أُعجب الفقراء بشخصية حمزة فاصطحبوه إلى بروفيسور عبد العليم وهو رجل كهلٌ عربي الجنسية، وكان يعمل في فيزياء الجسيمات.

قرر الموساد الإسرائيلي تصفيته فطاردوه، ولم يجد حيلة من الهروب منهم إلا أنْ يتنكر في ثياب الفقراء فتقبض الشرطة عليه، لم يجد إلا تلك الحيلة بعدما علم أنّ رئيسه العربي وحكومته وسفارته كانتْ تود أنْ تقدمه قُرباناً لإسرائيل.

دخل عليه حمزة فوجده يغمغم بكلمات اليأس وقلة الحيلة، لكن حمزة التقط من كلامه كلمة "مفيش فايدة".

بدا على الرجل الإعياء حتى كاد أن يسقط من الترنح.

دنا منه حمزة وأمسك به وأجلسه قائلاً: أجلسْ يا أبتِ إسترحْ.
حمزة: بمَ تغمغم؟
فتحزّن وتحسّبن وتحوْقل، هذا حاله عند السؤال.

قال حمزة: ما شأنك!
عبد العليم: الحياة يا ولدي لأصحاب المال والقوة، ومَنْ رمونا زوجوا المال للسلطة ومأذونهم منفانا هذا، دستروا دستورهم على مبدأ الغاب.

لكي يحيوا هم فلا بد أن نموت نحن، وأنت تعلم ذاك يا ولدي.

وأنا أحاول أنْ أصنع سلاحاً نووياً لأُخرج به هؤلاء البؤساء من تحت الأرض، وما أستطيع لضعف الإمكانات.

حمزة: هل أنت العالم المعروف الذي تخلّتْ عنه بلاده؟
عبدالعليم: نعم، لكنهم لم يتخلوا عني فحسب، بل باعوني كالصفقة.

حمزة مخبراً: كنتَ حديث العالم كله.

الحيلة:
سكتَ حمزة بُرهة يفكر في أمر الرجل الهِِرم، ثم سرح بخياله يفكر ويتدبر ويشير بسبابة يده، ويدقُّ بها على جانب مؤخرة حاجبه الأيمن تعبيراً عن الإمعان في التفكير لوضع حد لهذه المهزلة الكونية ورسم خطة محكمة يساعده فيها هذا البروفيسور.

ثم صرخ في البروفيسور وقال له: وجدتها، ثم شرح له خطته للخلاص.

أُعجب بها البروفيسور وأقرها وحددا موعد التنفيذ.

التنفيذ: انتظرَ حمزة عند أحد أبواب المنفى، ولم تمضِ سوى أيام قلائل حتى فُتحَ لإلقاء مذنب آخر، نادى حمزة السجّان وقال:
أيُّها السجان، المنطقة سوف تُدمر خلال 24 ساعة بالبراكين والزلازل، واستطرد.. قالها لي الدكتور عبد العليم، تعرفه طبعاً.

اتصلَ الحارس بمركز الأمن القومي للإمبراطورية على الفور حتى أتى الأمن واستخرجهما واصطحبهما في سيارة لمقابلة الرئيس الذي كان يتوّج نفسه حاكماً على العالم كله بما يمتلكه من نووي، ولكنّ المادة المضادة مَن سيّدته وسيّدتْ بلده.

فُتح الباب وخرجا، اصطحبتهما سيارة إلى قصر الإمبراطورية حيث يجلس الشاهنشاه كما لقّبَ نفسه.

سألهما عن أمر الزلازل.
تصدّر حمزة المحاورة.
قال حمزة: أيُّها الملك.. خلفي أكثر من 8 مليارات نسمة يريدون الحياة.
عاشوا على الأرض من قبل موْتَى، والآن يعيشون موتَى.
منذ القِدم، وحديثاً من سنة 2007 مروراً بأزمات الربيع العربي 2011 والمجاعة العالمية سنة 2000 و".." .

وما إنْ عمّ الفساد وقلَّ الماء والقوت ألقيتمونا في ظلمات الأرض، تلك الظلمات التي حفرناها وألقينا بحفْرِها إلى مداخل الصحاري التي أطّتْ من وقع أقدام الناس الملتصقة ولم يكُ فيها موضع شبر الآن.

لا في الأنفاق ولا في الصحاري التي سيّجتموها بردم كردم ذي القرنين، فلم يكنْ لنا سبيل للوصول إليكم أبداً.

لا يوجد موضع شبرٍ الآن، بنينا حضارتنا تحت الأرض لنعيش، حضارة الطين، الطين فقط.

الملك نظر إلى عبد العليم وقال له: كيف عرفت بأمر الزلازل والبراكين؟
حمزة: أيُّها الملك.. الزلازل والبراكين تملأ صدورنا منذ نشأة الإمبراطوريات على مر العصور.
تلك التي استعبدتْ الضعفاء وأصحاب البشرة السمراء وسادها مؤازرة المال للسلطة والعكس ليكونا سيفين على رقابنا.

والآن نحن في عام 2030 تحاورتم في مجلسكم الملعون بين تقتيلنا أو إلقائنا في الظلمات، فاخترتم الثانية.

اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي استعمرتم بها الضعفاء وهم يمشون فوق أراضيهم، والآن اتفاقية جديدة 2030 استعمرتم بها أراضيهم وهم يمشون تحتها.. أفٍّ لكم ولما تفعلون.

الملك: عبد العليم سأعيّنك على الحملة لكي نتحاشى هذه البراكين.. فماذا تقترح؟
حمزة: أيها الملك.. تلك الزلازل لو انفجرتْ فلن ينفعها لا أنتَ ولا عبد العليم ولا سلاحك النووي ولا مادتك المضادة.

إن منبعها قلوبنا وعزيمتنا، فإذا حميتْ حِممُ العزيمةِ في صدورنا فلن يكون على وجه الأرض لا نحن ولا أنتم، نحن البروليتاريا وأنتم النبلاء، ولعلك تُدرك العمليات الاستشهادية على مر التاريخ.

الملك قال وهو يهزُّ رأسه: إذنْ ليس هناك زلازل ولا براكين.. وجب قتلكما الآن يا صانعي الإرهاب.

عبد العليم: معي نووي في الأنفاق، فارتعدتْ أوصال الملك وذهبتْ دماء وجهه.

أقبل حمزة على الملك بثقة وأمسك إحدى أُذنيه وجذبها جذْباً شديداً كادتْ تُوقع الملك من على كرسى العرش قائلاً:
أيُّها الجبان الآن تخنع، الآن تبكي.. قد فعلها رجالُكَ من قبل كما تفعلها الآن، وأركعوا بها الدول واستذلّوها حتى ألقيتم العداوة بين حكامنا ثم ما لبثتم أن سلّطتم شعوبهم عليهم وما استطاع أصحاب القرار منهم أنْ يشينوكم؛ لأن السيوف كانتْ فوق رقابهم وأياديهم ممسكة بشحْمات آذانهم كما أُمسكتها أنا الآن، فلتركعْ أنتَ الآن يا جبان.

رجالُكَ الحمقى من الأميركيين والصهاينة.
وأنتَ تعلم إنْ لم نعُد إلى الأنفاق فستنفجر الكرة الأرضية كلها، ولن يترددوا؛ لأنهم كده كده أموات.
الملك قال مرتعداً لحمزة:
حمحمحمزة "هكذا نطقها" نحن على مشارف استكشاف كوكب واعد يدْعمُ الحياةَ، سوف ننتقل إليه قريباً وندعُ لكم الأرض ترتعون فيها وترقصون.

إنه كوكب أكبر بكثير من الأرض به المياه ويدور حول نجم أشبه بشمسنا.. يااا.. حمزة.. خلاص؟ ناداه وهو يرجع ظهره للوراء خوفاً ووجلاً.

حمزة: يا أخي حتى أنانيتكم تمارسونها في النعيم، أفٍّ لكَ ولمنْ خلفك يا كلب يا من تحكم الكلاب.

ولماذا تتعلق مصائرنا بكم.. لنعِش معاً على الأرض، هكذا فطرة الله.

الملك: حمزة لو عرجتم إلينا فسوف نموت جميعاً ولو بعد حين، فموارد الطبيعة لا تكفي إلا لنا فقط.

حمزة: موارد الطبيعة تكفينا نحن في ظل الاشتراكية لا النفي أيُّها الملك الحكيم، ولكن كل واحد منكم يخفي ثروته مع الجان فلا نراها أبداً.. لكننا سنراها، سنقطعها كما فعلتْ الثورة الفرنسية والبلشفية وثورة ناصر 1952.

سنقططعها أيُّها الإقطاعيون النافيون.

الملك: أمهلني أياماً حتى أُجهز مكانكم الطبيعي فوق الأرض، سأضع خطتي وأدعوكم.

حمزة: أيها الملك أنتم تضعون خططكم منذ آلاف السنين ولم نرَ من وعودكم شيئاً، سأنتظر وينتظرون.. معك فرصة أخيرة يا حاكم الأرض كلها.. نحن المنتظرون دائماً.. ولكن اعلمْ أنّ زلازلنا وبراكيننا نيران يأكل بعضها بعضاً في صدورنا فإذا نفّسنا عن أنفسنا فستنفجر فينا وفيكم. تلك هي رسالتي إليك..
"رسالة من المنفى" نفي عبر كل الأزمان والعصور.

ثم نظر إلى عبد العليم وقال له: هيا يا أبتِ لنعُد إلى الأنفاق وننتظر… ننتظر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد