في 5 نقاط.. الرد على حديث الدكتور أحمد خيري العمري: “لا يمكن إثبات وجود الله”

في الحقيقة إذا كان من غير الممكن إثبات وجود الخالق، فلا يمكن أن يحاسب الله الناس على إنكار وجوده؛ كونهم لم يتمكنوا من إثبات وجوده رغم "أنهم حاولوا جاهدين!"، وفي هذا اتهام لله بالظلم إذا عاقبهم على شيء لم يكن ممكناً لهم أن يفعلوه.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/20 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/20 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش

نقل لي البعض أن الدكتور العمري قال بأنه لا يمكن إثبات وجود الله، وقد أثار استغرابي مثل هذا التأكيد بنفي امكانية إثبات وجود خالق؛ كون مسألة إثبات وجوده أمراً ليس بالتعقيد الذي يتصوره البعض، بل إنه بسيط يمكن لأي شخص فهمه، وهذه البساطة هي حقيقةً سر قوة هذه الفكرة، وهذه القوة لم تكن لتخفى حتى على "شيخ الملحدين" ريتشارد دوكينز، فرغم أنه يمثل الإلحاد في هذا العالم، إلا أن إدراكه لقوة هذه الفكرة دفعه للاعتراف في بداية إحدى مناظراته "بأن مسألة وجود خالق أوجد الكون ووضع قوانينه ثم تركها تعمل هو طرح جدير بالاحترام، وإن كنت لا أقبله شخصياً، ولكنه طرح ذو قوة كبيرة".

وقد راجعت مقطع الدكتور العمري – وهو يشكر على جهوده – ولكنني أرى أن الصواب قد جانبه في هذا الفيديو في أماكن كثيرة.

المقطع يبدأ بالسؤال: هل يوجد دليل علمي قاطع على وجود الله؟ والجواب كان "لا"، ثم يعرض السيد العمري حججه وتبريراته بأن مسألة وجود الخالق هي قضية إيمان، وهذا الإيمان يجب أن يكون بالغيب، وإلا فلا معنى له، وأن العلم مجاله هو الكون، فكل شيء خارج الكون لا يمكن للعلم أن يكون له رأي به، وأن العلماء مثل أينشتاين وغيره استخدموا الحدس للوصول إلى اكتشافاتهم، بمعنى أن الحقيقة لها طرق أخرى!

في الحقيقة إذا كان من غير الممكن إثبات وجود الخالق، فلا يمكن أن يحاسب الله الناس على إنكار وجوده؛ كونهم لم يتمكنوا من إثبات وجوده رغم "أنهم حاولوا جاهدين!"، وفي هذا اتهام لله بالظلم إذا عاقبهم على شيء لم يكن ممكناً لهم أن يفعلوه.

وأما دعوى أن الأمر لا يتطلب العلم بل الإيمان بالغيب، فهذه الدعوى مردودة، فهي لا تتفق مع الآية في قوله تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله"، فوحدانية الله وبشكل بديهي وجوده يجب أن يبنى على العلم، أما إذا تم الاستغناء عن هذا الشرط فيمكن للمرء أن يؤمن بأي شيء فقد يؤمن بالحجارة؛ لأنه ليس مطلوباً منه إثبات ما إذا كان ذلك معقولاً أم لا، فالدليل ليس مطلوباً! وكيف يمكن الإنكار على عباد البقر مثلاً إذا كانوا "مؤمنين" بما يفعلون؛ لأن الأمر خارج دائرة المعقول، ولا يمكن محاكمته بالعقل والمنطق؟

لذلك فالشيء الوحيد الذي يمكن أن يوصل المرء للخالق هو المحاكمة العقلية السليمة، وهو ما أكده القرآن مراراً وتكراراً بالحض على النظر في خلق الله والتفكر بآياته، فكيف بنا نلغي كل ذلك ونجعل الموضوع غيبيات لا يمكن تفسيرها؟ صحيح أن ماهية الله لا يمكن الوصول لها فهو قد قهر كل شيء حتى العقل والمنطق، ولا يمكن أن يخضع لهما، ولكنه جعلهما سبيلاً للوصول إلى بابه عبر وظيفة العقل.

أما مسألة أن العلماء الكبار الذين استشهد بهم السيد العمري بأنهم استعملوا شيئاً آخر غير العلم للوصول إلى إنجازاتهم، فإن هذا التوكيد هو أمر مثير للقلق، فهؤلاء العلماء قد يبدأون بتصور أو حدس معين تجاه مسألة ما، ولكن ذلك الحدس لا قيمة له ولا يعتبر إنجازاً إذا لم ينتج طرحاً منطقياً متكاملاً يتم توصيفه رياضياً بشكل صارم، ويتبع ذلك أن يتوافق ذلك الطرح مع الواقع وألا يناقضه، ويبقى على صحته ومعمولاً به ما دام الواقع لا يناقضه.

إن الإيمان بالله جعله الله ميسراً وبسيطاً لأي إنسان مهما كان مستواه العلمي أن يفهمه، فالأمر بكل بساطة هو أن علينا أن نرجع إلى البداية، أي بداية الكون، فيكون السؤال عندها: من أين أتى هذا الكون الذي يحتوي على كل هذا التعقيد الفيزيائي الرياضي؟ وإذا كان الرد بأنه أتى من العدم، فعندها يكون السؤال هو: لماذا لم يبق العدم عدماً؟ و كيف للعدم أن ينتج أي شيء، ناهيك عن كل هذا الإبداع والتعقيد؟

إذاً لا بد من خالق أوجد هذا الكون.

هناك أناس يقولون بأن المقاربة المنطقية قد تكون صحيحة في حال كان هناك كون واحد، وهو الكون الذي نعيش فيه، ولكن هذا الكون هو واحد من عدد كبير جداً وربما لا نهائي من الأكوان، كما يقترح ذلك "ماكس تيغمارك" في كتابه: "كوننا الرياضي" والاقتراح يبدو منطقياً! على أنه ليس هناك طريقة للتحقق من هذا الاقتراح الآن، وربما كان ذلك ممتنعاً للأبد، ومع ذلك فحتى لو ثبت أن هناك الكثير من الأكوان، فإن منطق الحاجة لوجود مبدئ يبقى قائماً في حالة كون واحد أو أكوان متعددة، وإلا حصل لدينا كما في قصة المرأة التي كانت تعتقد أن الأرض تحملها سلحفاة كبيرة، وعندما سئلت عما يحمل تلك السلحفاة قالت سلحفاة أخرى، ولقطع الطريق على إعادة السؤال قالت والثانية تحملها أخرى أيضاً وهكذا دواليك!

وقد يقول قائل: ولكن هذا برهان منطقي وليس علمياً، والجواب بأن العلم مبني على المحاكمات والاستنباطات المنطقية ليس إلا فمن يدخل على غرفة مرتبة ترتيباً رائعاً، فإن ذلك يشير إلى شخص قد رتبها، فهذا هو التفسير المنطقي المقبول، وأي تفسير آخر لا يعتد به ولا قيمة له، وهذا استنتاج منطقي جداً وموقف علمي بامتياز فلا يمكن بناء الدين أو أي مبدأ معتبر إلا على قاعدة منطقية صلبة تستطيع حمل البناء الذي سيشيد فوقها، وهكذا فالإيمان بالخالق يعتمد في أساسه على العلم والمنطق، بينما يحتاج الإلحاد للإيمان الأعمى بأن هذا الكون قد ظهر بطريقة ما! ثم إن فكرة وجود خالق للكون تقتضي أن يكون الخالق عظيم القدرة مبدعاً، وهو ما يتفق مع ما نراه في الكون من عظمة الخلق المذهلة والإبداع المبهر والجمال المدهش والبساطة الشديدة التي تغلف تفاصيل ذات علاقات معقدة بشكل لا يصدق، بينما لا يستطيع الإلحاد تفسير أو إعطاء سبباً للتناسق الكبير والجمال الذي نراه في الكون.

يبقى أن البعض قد يشير إلى الظلم والتناقضات وربما البشاعات التي نراها وقد نعيشها في عالم الإنسان على أنها تنقض تلك الصورة الجميلة التي نعاينها للخلق، وبالتالي فإنها تضرب البناء المنطقي الذي أنشأناه وتدمره وقد سمعنا عن رجال دين في موقع متقدم في بعض الكنائس كفروا بوجود خالق؛ لأنه بتصورهم لا يمكن أن يكون هناك إله يتصف بالكمال ويقبل ما يجري في عالم الإنسان.

هذه المسألة تحتاج لمقال كامل (وربما أكثر)، ولا يمكن حشرها كفقرة في هذه المقالة، وسنكتفي هنا بإنهاء هذه المقالة بالإشارة إلى أن الأرض ومن عليها لا تشكل حتى ذرة غبار بالنسبة للكون، ولو تدمرت الأرض الآن واختفت كلية من الوجود فلن يغير ذلك شيئاً يذكر من الكون، وهذه الإشارة ضرورية؛ لكي نعرف حجمنا الحقيقي في هذا الكون.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:

Lennox Vs. Dawkins Debate – Has Science Buried God؟

رابط فيديو الدكتور العمري

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد