حينما سجدت الملائكة لسيدنا آدم الذي خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون، سجدت لتلك الروح التي نفخها الله فيه من روحه، تلك الروح هي أصل كل فعل ونبع أقواله، جوهر كل جميل يخرج من الإنسان والجسد يحملها فيؤدي إرادتها وتهذبه فتسمو به بعيداً عن خصاله الطينية التي جبل إليها.
للجمال أوجه كثيرة، ولكن تقديس الناس أصبح لوجه واحد فقط هو جمال الوجه والقد، بعيداً عن أي وجه آخر، وأصبح جلداً لمن لم يرزقه الله جمالاً خارجياً، جلداً لهم في الصداقة والزواج وحتى العمل، فمن لا يملك ذلك النوع من الجمال لا يحظى بالفرص، حوروا كل ما يقوم على قدرات الشخص العقلية وإرادته الداخلية وما يبنى على تلاقي الأرواح الطاهرة وانجذابها لما يشبهها؛ ليكون مبنياً على وجه واحد فقط.
لم يعد "الجمال الحقيقي" قيمة مطلوبة في عصر الماديين، بل أصبح شيئاً من الماضي، لم يعد المجتمع ينظر إليه بالنظرة ذاتها عن قبل، وهذا ما دفع الكثير من الأشخاص لتغيير أشكالهم إلى أشكال مستنسخة لا تشبه الإنسان بشيء؛ ليواكبوا ما يريدونه منهم أو حتى تفتح لهم الفرص ليعيشوا حياتهم.
مع التطور الذي نشهده في عالمنا ودخول مواقع التواصل الاجتماعي على هواتفنا الذكية، أصبح للجمال نمطاً واحداً لا سبيل لتغييره، فيعرض لك التلفاز الممثلات وعارضات الأزياء اللاتي جمالهن الجسدي المطلوب منهن يوافي معاييرهم للجمال، فيفرض على الفتيات أن يتشبهن بهن، وإلا فسيكن خارج تصنيف الجمال العالمي، فلا يتحدث أحد عن خضوعهن لمئات العمليات التجميلية ودفعهن آلاف الدولارات وامتناعهن عن ممارستهن لحياتهن بطريقة عادية، وهن يقتتن بجمالهن الجسدي، فكيف يمكن لربة منزل عادية أو حتى فتاة ذكية لا تمتلك سوى ذلك الجمال الذي لا يلاحظه الآخرون ويتم نعتها بالقبح، أن تستطيع منافستهن لتحصل على لقب الجمال الذي يريدونه منها.
لم يعد جمال الروح والأخلاق، جمال الفكر والتفكير يجدي نفعاً بعد الآن، لم يعد يهم توافق الأرواح فيما بينها والراحة التي تحملها قلوبنا لأولئك الذين يملكون جوهراً طاهراً وجميلاً.
ولم تعد حتى الأغاني والأفلام والكتب تتحدث أو تكتب عن أولئك الذين لا يملكون ما يجذب الآخرين إليهم، ولا عن القيم المفقودة في مجتمعاتنا القاسية ولا عن إصدارهم فرماناً عن الشخص في سلوكه فقط بالحكم على شكله الخارجي، ولا عن أن الجمال المادي هو ما يسكت أفواههم ويشبع أعينهم.
أوليس الجمال هو الشعور؟ أن نشعر بمن حولنا بالنظر إلى أعينهم إلى مرآة داخلهم التي تحكي كل شيء، وإذا كان الجمال نسبياً فكيف لنا أن نحدد شكلاً محدداً له يقوم عليه التصنيف؟ وكيف لنا تحديد القبيح والجميل ونحن لا نشعر به وإن أخذوا شكلاً محدداً لحكمهم؟
يقول ويليام شكسبير: "ليس هنالك جميل ولا قبيح، وإنما تفكير الإنسان هو الذي يصور الجمال والقبح للإنسان"، أوليس الاتساق مع الذات وتوافقها مع الأرواح الجميلة هو ما يجعل أرواحنا مطمئنة، وليس مظهرهم الخارجي الذي لا دخل لهم به؟
وإذا أردنا تمجيد الجمال الخارجي، فلننظر إلى السماء المضيئة بالنجوم، إلى الجبال مختلف ألوانها، إلى الأزهار برائحة الأرض إلى المحيطات إلى الأمواج، فلننظر إلى جمال ما لا يملك روحاً، ولكنه يملأ روح من يملكها جمالاً.
ولذلك فلنعط أنفسنا فرصة لنعرف شكلاً ومفهوماً آخر عن الجمال هو الجمال الحقيقي جمال الروح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.