الأزهر وتونس بين التجديد والتخريف

د الخلاف بين مشيخة الأزهر الشريف وأصحاب دعوات الفكر التنويري داخل المجتمع التونسي، بعد ما تردَّد من أنباء، ما هي في الأساس إلا مجرد تصريحات نقلتها بعض الصحف المصرية

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/15 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/15 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش

اشتد الخلاف بين مشيخة الأزهر الشريف وأصحاب دعوات الفكر التنويري داخل المجتمع التونسي، بعد ما تردَّد من أنباء، ما هي في الأساس إلا مجرد تصريحات نقلتها بعض الصحف المصرية، عن الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الوجهة الأولى في الدفاع عن قرارات وبَنِي المشيخة، بحقٍّ أو دون، والنائب شكري الجندي، وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، ناهيك عن النائب أسامة العبد، رئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب.

ولكن إحقاقاً للحق، تلك التصريحات أخرجتها الصحف التونسية عن سياقها تماماً، مع ما تحويه من معنى، فهي أخذت على النمط الحقيقي في نقد الإجراءات التونسية الأخيرة، من ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة، أو دراستها اقتراحاً بشأن إلغاء المهر من عقود الزواج، وهي أمور مقطوع بها عند علماء الأزهر الشريف، قد تصل إلى أنها ثوابت دينية لا اجتهاد فيها عند بعض المشايخ، اللهم إلا فئة قليلة قد تكون لها نظرة مختلفة نحو الأفكار التنويرية المجددة لوضع الخطأ الديني الراكد فعلياً.

مشيخة الأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية وكافة الجهات المعولة بالفتاوى والمسؤولة عن إصدر تلك الدعوات، لاسيما المعنية منها بإصدار الفتوى وتشريع السلطة الدينية داخل مصر أو أي بر آخر، كان من الأجدر بها، أو بالأحرى، ومن الضروري، والواجب عليها عدم الصمت والتزام السكوت إلى أن تصدر أمثال تلك الآراء أو الدعاوى التي تراها هي من وجهة نظرها شاذة عن الدين الإسلامي من الأساس، وإن كانت هي تراها بخلاف ذلك، كان عليها أن تقوم هي بالتحليل والبحث، لتجد ما يتَّفق بين النص ومتغيرات المجتمع لا الانتظار.

مفارقات ومغالطات شابت الأمر من الأساس، نتج عنها أن تحوَّل الأمر إلى حالة من الصراع بين الأزهر من جهة، وهيئة الإفتاء التونسية والمفكِّرين التنويريين في الداخل التونسي من جهة، الطرفان حاولا التمرد على الفكر المقابل دون استماع أو نقاش حقيقي للآراء المطروحة من الجانبين، حتى الوصول إلى رأي متّزن يجمع حوله أطروحات الجانبين.

ولا يخفى أن الأمر تحوَّل برُمَّته إلى حالة عبثية تُظهر مدى انهيار الثقافة الأزهرية والثقافة المقابلة، من عدم قبول رأي الآخر، والمجادلة المتَّزنة والحوار الفكري الخلَّاق.

فتونس بمن فيها من أصحاب الدعاوى الفكرية -كما أُفضِّل أن أسميها- دعت إلى إبقاء الأزهر الشريف خارجَ سياق الحوار من الأساس، حتى إن أصواتاً دعت إلى عدم الأخذ بالمناهج الأزهرية كمرجع إسلامي من الأساس، مستندين في دعواهم هذه إلى فشل المؤسسة في تجديد الخطاب الديني في الداخل المصري، وإصدار فتاوى مناسبة للقرن الحادي والعشرين، حتى إن أحداً ادعى أن مناهج الأزهر تتيح أكلَ لحوم البشر، وهو أمر ليس بمحمود أن يصدر من بلد إسلامي… هو في رأيي ناتج عن غياب المطالعة لدى النخبة التونسية، فمجرد محاولة إبعاد الأزهر عن النقاش هي محاولة ضالَّة للبحث عن مبرِّرات فعلية، تعطي للأمر شيئاً من الضرورة.

وإن كان لي القول، فموقف الأزهر الشريف لم يقلّ سوءاً عن الآراء التونسية.. تصريحات لاذعة أطلقها العشرات من رجال المشيخة، لكنها لم تعني شيئاً، إلا أنها حاولت حصر الإسلام في مؤسسة واحدة، أنها المرجعية الوحيدة للدين الإسلامي، ولا اجتهاد أو رأي إلا لها، وهو قصر حادت به المشيخة، مع الأخذ في الاعتبار الواجهة التاريخية، فلا خلاف عليها، إلا أن ضرورة وجود آراء مخالفة لعلماء الأزهر هي أمر محمود، ما يتيح فرصة حقيقية لإرساء مقبولية التجديد، وفقاً للمتغيرات الزمنية والاجتماعيه للعباد، وهو ما يميز الإسلام عن غيره، في مراعاة أحوال الناس عند أمور الشريعة والثوابت المتعلقة بها، وهو أمر مطلق الحسم عند الجميع، بضرورة مراعاة تلك الأحوال في أي زمان ومكان.

على الأصح والصحيح أن محورية التجديد في الخطاب الديني مع مواكبة متغيرات الزمان والمكان والأحوال الاجتماعية وبيئة المعايشة لا تأتي إلا من خلال أيديولوجية تجديد نقية وصحيحة، حتى نتجنّب التبديد الجامح وضياع الثوابت المعهودة، التي بلا شك هي من جوانب الإصلاح الفعلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:

الأزهر ينتفض لمواجهة فتاوى تونس

الأزهر يحذف تونس من قائمة الدول الإسلامية لهذا السبب

ما حقيقة قيام الأزهر بحذف تونس من الدول الإسلامية؟

مركز الوزراء ينفي حذف الأزهر الشريف "تونس" من قائمة الدول الإسلامية

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد