علِّموا أبناءكم الحب والتعبير عنه بمناسبة عيد الحب

فمن منا يقدر أن يعبر لابنه بهذه العبارة "أحبك ولدي"؟، إذ صار من المستحيل أن ينطق بها الفم العربي وأخطر من هذا، هل الزوجة بمقدورها أن تستعمل هذه العبارة "أحبك يا حبيبي"؟ من المستحيل كذلك، كأن اللسان العربي مصاب بالشلل والعجز عن تركيب كلمة "حب"، والنطق بها في جملة مفيدة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/15 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/15 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش

المجتمع العربي عنيف في تعبيره ولهجته وكلامه وحركاته ويفتقد ثقافة التعامل بالحب والمحبة، حتى صار يصعب على المغربي التعبير عن مشاعره العاطفية بتلقائية، بل صار لا يجد سهولة ولا متعة إلا في التعبير عن مشاعره بلغة العنف والنزاع وعبر الشجار.

كلمة "أحبك" مفقودة في ثقافتنا بين الآباء وأطفالهم وحتى بين الأزواج مع بعضهم البعض.

فمن منا يقدر أن يعبر لابنه بهذه العبارة "أحبك ولدي"؟، إذ صار من المستحيل أن ينطق بها الفم العربي وأخطر من هذا، هل الزوجة بمقدورها أن تستعمل هذه العبارة "أحبك يا حبيبي"؟ من المستحيل كذلك، كأن اللسان العربي مصاب بالشلل والعجز عن تركيب كلمة "حب"، والنطق بها في جملة مفيدة.

والأغرب هو أن الحبي٠ب إذا أراد أن يعبر عن حبه لمعشوقته، يلجأ للغة الفرنسية "جوطيم" أو الإنكليزية "آي لوف يو"، ومن المستحيل أن ينطق بِـ"أحبك".

1- ما هي أسباب غياب كلمة "حب" في لهجتنا وثقافتنا العربية؟

– الخلط بين الحب والجنس: العربي يربط تلقائياً الحب بالجنس، وبما أن الجنس من التابوهات المحرمة في ثقافته، فالحب صار كذلك يصنف في نفس الخانة، بحيث تحول كل حديث عن الحب إلى حديث عن الجنس، كأنهما وجهان لعملة واحدة.

– غياب التربية الجنسية: التربية الجنسية لا يقصد بها التكوين في العمليات الجنسية، بل هي التربية على التعبير عن المشاعر واكتشاف الذات، واكتشاف الآخر عبر الحب بين الجنسين من الزاوية العاطفية المبنية على الاحترام المتبادل والمساواة بين الجنسين.

– اعتبار الحب ضعفاً في الشخصية: في الثقافة السائدة في مجتمعاتنا الحب هو شأن الإناث، ولا يعتبر رجلاً من يعبر عن الحب. وبما أن الأنثى تعتبر ضعيفة بالنسبة للذكر، وهو أقوى منها حسب هذا المنظور، فيجب أن يكون متميزاً عنها ومتحكماً في مشاعره، بحيث لا يُظهر منها شيئاً إلا مظاهر القوة والشِّدة المصطنعة: "لا تبكي هل انْتَ رجل أم بنت؟".

– الخلط بين الحب والفساد: الاعتقاد بأن التعبير عن الحب يشكل إفساداً لتربية الطفل بحيث يتحول إلى كائن مدلل "ولد مدلل".
– غياب التعبير عن الحب في التربية الدينية: يغيب في التربية الدينية الحالية الحديث عن مفهوم علاقة المحبة التي تربط العاشق (المخلوق) بمعشوقه الأعظم (الخالق)، بل على العكس نجد هذه التربية تمجد ثقافة الخوف والرعب عبر التركيز على العذاب والانتقام ونار جهنم.

2- ما هي انعكاسات غياب التعبير عن الحب بين الآباء والأطفال؟

– اضطراب في النضج العاطفي: العربي يرى نفسه ضحية، ويبحث عن الحب والحنان المفقود فلا يجده، مما يؤدي به إلى سلسلة من الاضطرابات النفسية الخطيرة.

– اضطراب العلاقات بين الآباء والأبناء: كثيراً ما نرى الأب يعنف ابنه، ويردد عليه "لوْلاني أحبك لما ضربْتكْ". كيف يكون الحب مرادفاً لمقدار الضرب أي تناقض وأي منطق هذا؟

– اضطرابات في العلاقات الزوجية: للأسف أرى كل العلاقات الزوجية مبنية على "القوة" وغياب ثقافة المساواة والرفق والكلام اللين والاحترام المتبادل والتفاني لإسعاد الآخر.

فكل من الطرفين يعاني من ضعف الحب وغياب الحنان، وينتظر التعويض من الآخر في حلقة مُفرغة دون جدوى.

– اختلالات في العلاقات الاجتماعية: من المستحيل على العربي أن يربط علاقات راشدة وسليمة مع الآخرين بدون انتظار عاطفي، وبسبب تغييب التعبير عن الحب والحرمان من استشعاره.

فكل تلك العلاقات ترتكز على دوامات متكررة من النزاعات والصلح، ثم النزاعات والصلح… إلخ.

نحن مجتمع فقير جداً عاطفياً، ولا نكسب أي رأس مال من الحب، في حين أن كل عربي يترجى الحب والعاطفة من الآخرين.

وقد صار العربي أشبه بالمتسوّل في الشوارع يطلب دراهم من الحب؛ لأن المحبة هي الرابط القوي بين البشر، وغياب الحب يترك المجال مفتوحاً للفقر والعنف والكراهية بكل ألوانها.

إن أزمة المجتمع العربي، سواء اقتصادية أو سياسية، سببها هو غياب الشعور بالحب والتعبير عنه.

إن الحب هو شعاع ونور ورثناه من سماء الرحمة ولا يمكن التعبير عن الإيمان بدون التعبير عن الحب.

وعبْر الحب والتعبير عنه يقاس شعاع الإيمان، وأتحدث هنا عن الإيمان بالإنسانية، الإيمان بقوة الحب كمنبع للسلم والتعايش والتماسك الاجتماعي.

إن الحب هو صومعة كل الفضائل الإنسانية، بدون حب تنعدم كل الفضائل، ويجف الإيمان في قلوب الناس، وتنعدم الرحمة فيهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد