في بلادي التي مزقتها الطائفية والسياسة فريق كرة قدم عريق عابر للصراعات السياسية والمذهبية اسمه "النجمة" تأسس في العام 1945؛ أي بعد عامين على نيل لبنان استقلاله من الانتداب الفرنسي.
لا مثيل للفريق النبيذي في أي بلد عربي: لا لعدد الألقاب التي نالها في تاريخه، والتي تزيد في بعض الحالات عن عدد جمهور فريق درجة أولى في لبنان، ولا للإنجازات التي حققها منذ تأسيسه، ولا حتى لجمهوره الجميل الذي يملأ مدرجات الملاعب حتى عندما يكون الفريق في أسوأ حالاته الفنية، بل ببساطة لأنه يختصر حلم أي فرد لبناني يبحث عن معالم وطن ينتمي إليه بغض النظر عن أي دين أو مذهب أو منطقة أو لهجة أو حزب.
هي أزمة "الهوية" النهائية التي يعيشها اللبنانيون منذ الاستقلال على أقل تقدير.
يمتلك "ألنجمة" أكبر قاعدة جماهيرية في لبنان، وربما في الشرق الأوسط قياساً إلى عدد السكان.
ولكن المميز في هذا الفريق العريق أن جميع مشجعيه، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، ينتمون لقضية واحدة عندما يتعلق الأمر بكرة القدم.
يخلعون كل انتماء آخر لحظة دخولهم المدرجات. هكذا بلا أي حسابات معقدة. هو توقٌ في العمق للانغماس في قضية مشتركة لا تميز بين اللبنانيين الذين اعتادوا أن يختلفوا على التاريخ والجغرافيا والتربية والوطن.
قبل أشهر قليلة، تسلم قيادة الفريق – الحالة رجل أعمال شاب اسمه "اسعد الصقال".
ولأن اللبنانيين غير معتادين على أن يحصلوا على خدمات من دون مقابل، بدأت الأوساط الرياضية والإعلامية تتهامس في أنّ الرئيس الشاب طامح لدخول معترك السياسة من باب القاعدة الجماهيرية لفريق "النجمة".
غير أن الصقال فاجأ الجميع مؤخراً حين أطلّ عبر مقابلة تلفزيونية ليؤكد فيها انه غير طامح لأي منصب نيابي. وبغض النظر عن السجال في النوايا، فإن الحملات الانتخابية في لبنان قد انطلقت بالفعل وأسماء المرشحين باتت معروفة، واسم الصقال لا يرد على أي منها.
ما هي مصلحة رجل أعمال إذاً في تقديم دعم مادي لفريق كرة قدم في بلد يعاني كارثة اقتصادية غير معلنة بعد؟
متابعة سلوك الرئيس الشاب ونمط تفكيره، فضلاً عن مساره المهني والعلمي، يدرك أنه يطمح للتأثير في الشأن العام، من باب الرياضة بالفعل، ولكن بأسلوب مختلف عما عهده اللبنانيون.
لقد تربّى اللبنانيون منذ قيام الدولة على أن السياسة هي المحرك لكل حياتهم. وهذا ما يفسر نزول الحشود إلى الشوارع عندما يطلب الزعيم السياسي ذلك في معرض ضغطه على خصومه، في حين لا تكاد تلحظ اعتراضاً شعبياً على أزمات البلد الكبرى؛ كالفساد والنفايات وغياب الخدمات وغلاء مستوى المعيشة.
وأمام حجم الاهتراء الذي أصاب الدولة والواقع اللبناني، لا يجد الشباب أملاً في التغيير.
وسط هذا المشهد، يبرز بين الفينة والأخرى بصيص أمل.
خلال سنة واحدة، بدأ رئيس النجمة في تحويل النادي إلى مؤسسة، مع تعزيز الفرق العمرية وإعادة هيكلة الأطقم الفنية، وتشجيع الاختصاصات ودمجها في إدارة النادي، وصولاً حتى عقد صفقات مالية ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ الرياضة اللبنانية لجلب لاعبين بمستوى عالمي، كحسن معتوق (الملقب بميسي العرب)، وعلي حمام، وعباس حسن وغيرهم.
لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الإصلاح في ناد كروي بما هو لازم لوطن بأسره، لكن المفهوم هو الأهم والفكرة يمكن أن تكون صالحة للتعميم دوماً.
إن قوة نادي النجمة تكمن في قدرته على توحيد اللبنانيين حول قضية واحدة. وإن سلاح النجمة السري هو في جمهوره الذي يطالب دوماً بالأفضل.
في حضرة "النجمة" يتناسى الجميع خلافاتهم واختلافاتهم.
في حضرة "النجمة" تزول الجهات اللبنانية، لا شرقية ولا غربية، لا شمال ولا جنوب.
في حضرة "النجمة" تصدح أصوات عشرات الآلاف من اللبنانيين تعبيراً عن حلم يكاد يلامس السماء، حلم لطالما أبكاهم في الانتصارات وفي الهزائم، من دون أن ينال من عزيمته على الهتاف دوماً: يا نجمة.. يا نجمة.. يا نجمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.