من منكم شاهد أحد المسلسلات أو الأفلام التي تحكي قصة شخص أصبح وزيراً بالصدفة أو وصل لمنصب مرموق بطريقة غير عادية؟
لعل هذا النوع من المسلسلات أو الأفلام يكثر في ديباجة السينما العربية، فقد تكون طبيعة الحال العربي سياسياً وثقافياً هي أحد أهم أسباب انتشار هذه الديباجة في متن ونصوص السينما العربية.
فكيف لا وقد امتلأت هذه البيئة بوجود فقر ملحوظ بنسبة وصول أشخاص عاديين يمثلون الفئة الطبيعية الكثيرة جداً داخل هذه المجتمعات، فللأسف أصبح من الصعب أن يكون وصول الفئة العادية لأماكنهم الطبيعية بطريقة غير عادية حتى في السينما.
لقد طلب منّي أحد الأصدقاء منذ فترة قريبة أن أحل مكانه لعرض ورقة بحثية أعدها هو لمؤتمر يتحدث عن الشباب الفلسطيني ومشاكلهم والتحديات التي يواجهونها، وقد كان طلبه متأخراً جداً بحيث لم يكن بإمكاني قراءة وتمعّن ما كتبه؛ لكي أفهمه قبل المثول مكانه في ذلك المؤتمر.
ومع ذلك وافقت على طلبه كخدمة شخصية له ظناً منّي أنه مجرد مؤتمر صغير لن يحضره الكثير، ولكن وما إن وصلت لمكان المؤتمر تفاجأت بحجم الحضور عدداً ومكانةً، فقد كان من بين الحضور جمعٌ غفير من الأساتذة الجامعيين والصحفيين وكبار ممثلي الأحزاب والسلطة الفلسطينية، وكذلك وسائل إعلامية محلية وغير محلية وممثلون أجانب، وكأنما حصل معي ما يحصل داخل المسلسلات العربية بأن وصلت لمكان كان من الصعب الوصول له، أو بوصف آخر كان هذا الأمر شبيها بمروري من أمام إحدى الصالات الفخمة وقيامهم بمناداتي والطلب منّي أن أتكلم أمام قامات عُليا في المجتمع.
أخذت نَفَساً عميقاً وقررت أن أخوض التجربة والمغامرة، وأصعد وأُلقي ما كتبه صديقي، وحينما جاء دوري صعدت وسردت الورقة البحثية بطريقة تقليدية ودون تكلّف أو إضافات شكلية؛ فكيف لا أتحدث بطريقة تقليدية وأنا أحتسب نفسي على الفئات العادية من المجتمع.
فعندما انتهيت جاء الدور على من بعدي من شباب ليشاركوا أوراقهم البحثية التي أعدّوها وكان الفرق واضحاً بيني وبينهم بطريقة العرض والقراءة، فهم قرأوا ما كتبوا، وهم في مستوى علمي أعلى بدرجة، وأهم من ذلك هم لديهم تجربة سياسية بحكم تخصصهم العلمي "ماجستير علوم سياسية" وانتمائهم لأطياف وأحزاب سياسية.
ولكن الآن انتهى المؤتمر وغادر الحضور وأُطفئت أجهزة الصوت في قاعة المؤتمر وغلقت الأبواب، ومع ذلك فما زلت أشعر أنني أرغب بالتعبير أكثر عما صال وجال في خاطري عندما كنت جالساً أمام ذلك الحشد، فكم وددت لو تكلمت عن قلمي وليس عن قلم غيري! فكم وددت لو سألت تلك القامات المسؤولة منها عن أهم أسباب الانقسام بصفة انتمائهم الحزبي.
ماذا الآن بعد 11 عاماً من الانقسام؟!
ماذا الآن بينما نحن نوجد في هذه القاعة الفخمة ونتحدث عن الشباب الخريجين من الجامعات الفلسطينية الذين يعملون الآن داخل المستوطنات الإسرائيلية والداخل الفلسطيني المحتل كأيدٍ عاملة لأرباب العمل الإسرائيلي؟!
ماذا الآن بينما يقبع داخل السجون الإسرائيلية العديد من الشباب الفلسطيني الذين أصبحوا نادمين على ما فعلوا ليس بسبب ما فعلوا بل بسبب الإهمال وضياع البوصلة عما كانت عليه عندما قاوموا واعتقلوا؟
ماذا الآن بينما يستمر الاحتلال بالدخول ذهاباً وإياباً في أي وقت يشاء إلى عمق المدن الفلسطينية في الضفة الغربية يفعلون ما أرادوا ويأخذون من اختاروا وينكلون ويهدمون ويسرقون ويقرصنون ويهينون الجميع؟
ماذا الآن بينما أصبح الشاب الفلسطيني يشعر بقهر وألم لا يعلم به أصحاب النفوذ والمال والـVIB، بسبب فقدانهم لأوسع دائرة وآخر دائرة من دوائر الشعور بالأمن والأمان؛ دائرة الدولة أو النظام أو السلطة، تلك الدائرة التي من المفترض أن تمنع أي اعتداء خارجي أو داخلي عن أي مواطن أو أي فرد داخل هذا المجتمع؟
ماذا الآن وقد استطعتم الاجتماع في هذه القاعة وقد اتفقتم على الحضور فقط للخطابة ومنح الآمال والأماني للشباب بعد 11 عاماً من الانقسام الداخلي؟!
ماذا الآن بينما أصبح الفقر يتمدد ويتمدد داخل جيوب البؤساء والتعساء الشباب وذويهم؟!
ماذا الآن بينما ما زال الشاب الفلسطيني يتخرج ويبدأ العمل في بيئة عامة أو خاصة لا تحترم قانون العمل؟!
ماذا الآن بينما صارت نسبة الفرق بين الحد الأدنى للأجور لدى الفلسطينيين عن جيرانهم الإسرائيليين 51%؟!
ماذا الآن بينما يصنف العامل الفلسطيني لدى إسرائيل كمواطن من الدرجة الأولى مادياً وبالمقابل يصنف المواطن صاحب الوظيفة العمومية كمواطن من الدرجة قبل الأخيرة أو الأخيرة حتى؟
ماذا الآن بينما خسرنا سياسياً وعسكرياً؟!
ماذا الآن وقد احتفلنا كثيراً باستحقاق سبتمبر/أيلول، وتغنينا كثيراً بالانضمام للمؤسسات الدولية بالأمم المتحدة، وفرحنا كثيراً باعتراف بعض من الدول بنا كدولة، وانتشينا كثيراً بعدم رفع الفيتو الأميركي في نهايات عهد أوباما بمجلس الأمن؟!
فكل هذا اعتبرناه نصراً ولم تعد لنا القدس! ولم يتغير أي شيء على أرض الواقع، ومع ذلك فلا ضير بأن نعتبر هذه إنجازات؛ لأنها فعلياً إنجازات في ظل القدرات الفلسطينية الضئيلة، وأيضاً ومع ذلك وزبدة القول وخلاصته ونهايته… أيضاً القدس لم تعد ولم يتغير شيء على أرض الواقع حتى لو اعتبرناها إنجازات!
وقبل فترة وجيزة… وبعد مشاهدة إخواننا عرب الداخل الفلسطيني المحتل في الكنيست يغضبون ويرفعون صوراً للقدس أثناء كلمة نائب الرئيس الأميركي قد تم تمزيقها من أول ثانية رُفعت بها.
في تلك اللحظة وبعد سماع تأكيد النائب الأميركي أن القدس عاصمة إسرائيل.
في تلك اللحظة وبعد مشاهدتنا ابتسامة نتنياهو والإسرائيليين تحت قبّة الكنيست بالوقت الذي كان يطرد فيه النواب العرب ويهانون بطريقة صبغت على وجوههم نظرة الضعف وزادتنا حسرةً على مدى الضعف الذي أصابنا.
اليوم.. وبعد رؤيتنا لكل هذه المشاهدات، وبعد اعتبارنا لما سبق أعلاه بأنه إنجازات وانتصارات فعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وصريحين دون خجل أو مواربة، لقد هزمنا -نحن الفلسطينيين- وتخلّى عنا القريب والبعيد، وزاد الشقاق بين الإخوة الفلسطينيين، وإن ضخامة ما حدث من هزيمة باعتراف أميركا لم يدفعنا أكثر وأكثر للوحدة ورصّ الصفوف.
نعم هُزمنا، وكما خرج منهم تقرير فينوغراد عندما هُزموا علينا أن نعترف بالهزيمة، وأن يخرج منا تقرير مشابه لتقرير فينوغراد يوضح لعامة الشعب ما يحدث، لا أن تتم دعوة هذا الشعب للإضراب العام وعدم مزاولة أية أعمال يومية.
فجميع هذه النتائج أتعبت الشاب الفلسطيني، وأصبح أصمَّ لا يسمع أي نداء من أعلى الهرم؛ لكي ينتفض أو يرفض أو يمنع.
جميع هذه النتائج أجبرت الفلسطيني على الابتعاد عن المشاركة السياسية والبحث كمتسوّل عن لقمة العيش حتى لو اعتاد الحصول عليها، وفقدان ما هو أغلى منها وهو الكرامة وعزَّة النفس.
فماذا الآن؟! هل ستبقى الخطط على ما هي عليه أم سيحصل التغيير؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.