بلا أي مقدماتٍ يا صديقي، أعرفُ جيداً كم تعرضتَ للألمِ من هذه الحياةِ، كم كنتَ مَشاعاً لكلِ عناصرِها، أعرفُ جيداً كم من مرةٍ كنتَ قريباً جداً من حافةِ الانهيارِ، وأعلمُ كم تعرضتَ لهزائمَ لا يعلمُها إلا أنت.
أعرفُ مقدارَ الضّعفِ الذي شعرتَ به في كثيرٍ من الأحيانِ، وكم من مرةٍ كنتَ هامشاً في حياةِ الكثيرِ من الأشخاص، أعرفُ أنك قد مررتَ بتجرِبةِ طلاقٍ صعبة، وأعرفُ أن أعزّ أصدقائِكَ قد تجاهلَ وجودَكَ في ذلكَ اليوم.
أعرفُ أن موتَ والدِك كانَ من أكثرِ الأشياءِ التي قهرتكَ في حياتِكَ، وأعرفُ كم أصبحتِ الحياةُ صعبةً بعدَهُ، وأعرفُ أيضاً أن من أحببتَهُ أخذَ كلَ مشاعرِكَ النبيلةِ ومضى بها لمكانٍ بعيدٍ عن مجالِ رؤيتِكَ.
إنني أعرفُ كم مرةً فكرتْ فيها في الانعزالِ والوَحْدةِ والانتحار.
أعرفُ أنكَ تشعرُ الآن بأن الحياةَ لا قيمةَ لها، وأن كلَ ما يدورُ حولَكَ لا يُشعرك إلا بمزيدٍ من الخدر.
أعرفُ كلَ ذلكَ جيداً يا صديقي، ولكن عليكَ أن تقفَ الآنَ وتشكرَ كل تلكَ الآلامِ، فمِن رحِمِها وُلدَ إنسانٌ جديدٌ تخطاها بالفعل!
أجل.. أجل!
إنه أنت!
أفترضُ أنك تعرفُ جيداً أن الحياةَ لن تقومَ باحتضانِكَ وتقولَ لكَ تعالَ سوفَ أمنحُكَ كل السعادة!
وأفترضُ أنك تعلمُ أيضاً كم الطريقُ صعبٌ، وأن الحياةَ سوفَ تصفعُكَ في كلِ يومٍ وسوفَ تقومُ بتكسيرِ عظامِكَ أيضاً!
أفترضُ أنك تعرفُ أن الأشخاصَ لن يكونوا محبينَ وجيدينَ على الدوام!
وأفترضُ أنك تعلمُ جيداً أن ذلكَ الشخصَ الذي يقومُ بدعمِك على الدوامِ ويخبرُك بأن قدراتِكَ لا محدودة ولا نهائية؛ ذلك الشخصُ ليس موجوداً فعلياً!
مهما بحثتَ حولَك لن تجدَ ذلك الشخصَ الذي سوف يجبرُك أن تستيقظَ وتتجاوزَ كلّ تلكَ الأحداثِ السيئةِ التي جعلتك تضربُ الحائطَ بيدِكَ وتكسِرُه.
لن تجدَ ذلك الشخصَ ينتظرُك على قارعةِ الطريقِ ويقول لك: لمَ أنت حزينٌ على طلاقِك؟ هيّا تعالَ وابدأْ معي حياةً جديدة!
لن تجدَ ذلك الشخصَ الذي سيمسِكُ بيدِك بعد موتِ أحدِهم ويقولُ لك: تجاوزْ كل هذا وابقَ قوياً!
ذلك الشخصُ لن يأتيَ في منتصفِ الليلِ وأنت تكادُ تختنقُ من البكاءِ ويقولَ لك: كفى حماقةً لقد أحضرتُ بعضَ الأفلامِ هيّا لنشاهدَها!
إن نظرتَ حولَك لن تجدَ ذلك الشخصَ الذي سيقولُ لك: ما خطبُك؟ أو يستحقُ ذلك الإنسانُ الذي حطمَ قلبَك كلَ هذا الأسف؟
إن نظرتَ حولك لن تجدَ ذلك الشخصَ الذي سيقولُ لك: أأنت جاد؟ هل هذا المرضُ السخيفُ هو مَن يُعيقُ تقدمَك بالحياة؟ هل تودُ إقناعي بأن هذا عذرٌ يمكنُ قَبولُه؟
إن نظرتَ حولَك لن تجدَ مَن يقفزُ فرحاً عندما يستمعُ لفكرةِ مشروعِك الجديدةِ ويقولُ لك: أنت عبقري يا رجل، أجل ابدأْ بتنفيذِها من الغد.
يا صديقي.. لا تكنْ احمقَ وتنظر حولك.. لن تجدَ ذلك الشخصَ أبداً؛ لأنه موجودٌ بداخلِك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.