جسمي معي غير أن الروح عندكم *** فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا *** لا روح فيه ولي روح بلا بدن
إنها الغربة، عندما يبتعد الإنسان بقلبه وعقله وجسده عن بلده وأهله ومن يحب لأسباب تجبره على ذلك، وخاصة عندما تكون هذه الأسباب خارجة عن إرادته؛ لذلك لا بد من أن نتناصح فيما بيننا، وخاصة لمن ذاق مرارة الغربة، لعل في نصائحنا ما يعين المغترب في حياته التي فرضت عليه.
أولاً: جدد نيتك
نعم جدد نيتك بأنها هجرة لله، وضع دائماً أمامك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)، نعم اجعلها لله ورسوله، واحتسب كل ما فيها من آلام عند الله.
ثانياً: اجعلها مشروع نجاح
قد تكون خرجت مهاجراً مجبراً على ذلك، ولكن تذكر أن هناك من خرج بإرادته لكي ينجح، فلماذا لا تكون أنت كذلك من الناجحين، حدد هدفاً لك، واجعل لك مشروعاً، وضع لنفسك خطة، تعلم لغة جديدة، وعش ثقافة مجتمع جديد، وابدأ بعمل ترتزق منه وتتدرج فيه، واصبر واجتهد، وتذكر دائماً نماذج الناجحين في الخارج، واعتبر نفسك في الطريق لتكون واحداً منهم، أكثر العمل بإخلاص، وأكثر التعلم والقراءة، وتميز عن غيرك.
وتذكر نصيحة الشافعي لابنه في فوائد السفر:
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه *** وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو ظلت في الفلك واقفة *** لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالتراب ملقى في أماكنه *** والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه *** وإن تغرب ذلك عز كالذهب
ثالثاً: كون علاقات وصداقات ولا تنعزل
نعم، لا تنعزل عن المجتمع الذي ذهبت إليه، كون صداقات وعلاقات معهم، لا تنعزل ولا تجعل معارفك من أهل بلدك فقط، بل كن عضواً فاعلاً في المجتمع الجديد، شاركهم مناسباتهم، وانظر دائماً إلى أصحاب الهمم والأخلاق منهم، واقترب منهم، سيفيدك ذلك كثيراً على إتقان لغتهم والتعرف أكثر على عاداتهم وتقاليدهم، وسينعكس ذلك إيجابياً عليك في حياتك معهم.
رابعاً: لا تشغل نفسك بمتى سأعود؟
شعور خاطئ وضار عندما يعتقد المغتربون أن غربتهم مؤقتة، ولا بد من العودة للاستمتاع بالحياة وكأن أعوام الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، فتجد حياته متوقفة حتى العودة، لا شك أنه شعور وطني جميل عندما تحن للعودة، ولكن يجب ألا تتوقف عجلة حياتك من أجل هذه اللحظة، وما تدري لعل العمر ينقضي وكل أملك في الحياة أن تعود وفي النهاية لا تعود، فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة وهم يرنون العودة إلى بلدانهم؛ لذلك أدعوك إلى التأمل في قول المؤرخ البريطاني الشهير توماس كارلايل الذي أصاب عندما قال: (لا يصح أبداً أن ننشغل بما يقع بعيداً عن نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتم فقط بما هو موجود بين أيدينا بالفعل).
خامساً: ومع ذلك.. لا تنس قضيتك
نعم رغم التأقلم في المجتمع الجديد من أجل العيش السعيد، ورغم السعي الناجح والتعلم، إلا أنك في النهاية خرجت من بلدك تحمل رسالة، رسالة خلاصتها رفض الظلم، فكن عاملاً مساعداِ إيجابياً مؤثراً نحو رفع الظلم عن المظلومين في بلدك وفي كل بلاد العالم بأسلوب راق وحضاري وسلمي، وكن فاعلاً وإيجابياً في ذلك، ولن يتحقق لك ذلك وأنت تشعر بالغربة والانكسار والانهزام، ولكن سيقوى ذلك وسيكون ذلك مؤثراً جداً عندما تكون مؤثراً وقوياً وناجحاً في بلدك الجديد، وعندها فقط سيكون صوتك مسموعاً، أما الضعفاء المهزومون فلا صوت لهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.