الإنسان مكرَّم بعقله عن باقي المخلوقات، وهو الأحق والأجدر باستخدام هذه الهدية التي منحها الله له.
الصراع الفكري الأزلي لن ينتهي حتى بعد ذهاب الأجيال؛ لذلك فأفكارنا لن تموت إن كانت صادقةً ولهدف سامٍ.
أفكارنا هي من توجّهنا نحو بلوغ ما نطمح لرؤيته متحققاً على أرض الواقع.
صراع الإنسان من أجل فكرة، وفناء عمره لها، ربما يعود ذلك إلى مدى اقتناع الإنسان وقدرته على تحقيق ما يصبو إليه، ليس فقط من أجل نفسه، وإنما لأجل مصالح وغايات أكبر وأسمى.
من الممكن أن نقول: إن أفكارنا الحالية ما بين الانتهاء أو التجديد، لماذا بين هذين الحدين فقط؟ هل أصبح صاحب الفكرة السامية محط تهديد؟
في ظل زمن العولمة أصبحت الأفكار تأتي معلّبة إلى واقعنا وحياتنا، وكيف ذلك؟ ونحن نجامل أنفسنا ونقول: هذا مستحيل وغير موجود، ولكن في الحقيقة فإن أفكارنا بدأت تنتهي، وبدأ غيرنا يزوّدنا بأفكار معلّبة جاهزة.
في البداية نحن نعترض عليها، ومن ثَم لا نرى غيرها؛ لأننا نفتقد إلى قدرة عقولنا على توليد أفكار مماثلة، هذا ما زرعوه في عقولنا، أوهمونا أنهم هم المستقبل، وهم المزوّدون وهم الأبطال، أدى ذلك إلى اعتناق أفكارهم واحدة تلو الأخرى.
ليس من الضروري اليوم أن تقتنع بكل فكرة؛ لأنهم يعرفون أنها فكرة ستحتاجها حتماً وفق متطلبات حياتك التي قد أجبروك عليها، سيحاولون ويحاولون تغيير خريطة هذا العالم؛ ليصبح عالماً مادياً بحتاً، وفق متطلبات ونسق حياتهم التي يريدونها؛ لأن الإنسان الذي يبحث خارج بوتَقتهم يجب أن يزول ولا يبقى له أثر؛ لأنه سيكون مصدر تهديد، علّبوا أفكارنا السابقة، وكتبوا عليها منتهية الصلاحية؛ ليتسنى لهم قيادة الجيل الحالي والأجيال القادمة.
خدعونا بأنهم مُنقذون، وأنهم داعمون، وأنهم قادمون لإنقاذنا وإعطائنا الحرية والديمقراطية، التي نشروا بذورها قبل سنوات من مجيئهم إلينا.
أسهل طريقة يمكن خداع الإنسان غير المدرك لنعمة عقله بأن توفر له غطاء الحرية لهدم قيمه السامية، وتحرير قيود الجهل؛ ليعم الفساد والانحطاط بين أوساط الشعب نفسه، أن تجعل الإنسان في صراع دائم مع نفسه ومع مَن حوله، بحجة أنك أفضل، وغيرك يجب ألا يعتلي مكانك، يقود الناس إلى الصراعات المستمرة، ونسيان مهمتهم الأصلية، وحجب عقولهم عن التفكير السليم، وصهر أفكارهم وإعطائهم نماذج صنعوها لهم؛ ليعتقدوا أنها فعلاً كانت حقيقة، والعيش ضمن الوهم والعالم المزيف.
هل نقدّر كرم الله علينا بهذا العقل؟
سنختلف كثيراً في الآراء، ولكن هل يتقبل بعضنا بعضاً ونوحد آراءنا لهدف سامٍ ونفعّل هذه الهدية المجانية التي نمتلكها لإحياء أجيالنا القادمة المهددة بالعزلة والموت المبكر والمجهول الذي لا يخطر ببال أحد؟
لنكُن قادرين على تفسير الأحداث من حولنا، ولا نجري وراء الطعم الذي يصنعونه لنا بحجة الخلاص.
إدراكنا لقوّتنا هو سبيل نهوضنا من جديد، وإحياء قيمنا التي أطفأتها نيران الحروب والصراعات الدموية التي أنهكت عقولنا قبل أجسادنا، وحدتنا هي الأساس لإحياء البذور الأصيلة التي نمتلكها لإنقاذ الإنسانية، وما تبقّى منها، ليس الهدف إنقاذ نفسي فقط، وإنما إنقاذ البشرية بأكملها.
رفض الأفكار المعلّبة هو أولى خطوات تجنّب الأفكار الجاهزة التي يريدونها أن تعشش في عقولنا، وأن تجرد مشاعرنا منها؛ كي لا نشعر بشيء مؤلم من وخز التعليب الذي يصنعونه لأجيالنا المستقبلية.
ألم نكتفِ بالهروب من الحقيقة ومواجهة الواقع ونحن نسمع صيحات المرارة والآهات التي أوصلنا إليها؟ إن أمعنا النظر إلى أنفسنا سنرى الإنسان القوي الذي أودع الله -تعالى- فيه قوة على أن يكون حراً طليقاً، وأن يعيش عزيزاً وكريماً كما كرّمه الله بعقله وروحه وشكله.
هيّا بنا يا بُناة المستقبل؛ لنصنع التاريخ كما فعل أجدادنا وآباؤنا، هيّا بنا لنكُن نحن الأمل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.