مفارقة عجيبة حصلت على الساحة الاجتماعية الأردنية خلال الأيام الماضية، تمثلت في وقوع عمليتي سطو مسلح على فرعين لبنكين مختلفين خلال قرابة ثمانٍ وأربعين ساعة، مقابل قيام مواطنين بشراء "لوحات أرقام سيارات" باهظة الثمن بلغ سعر إحداها نحو نصف مليون دينار.
قوبلت الأحداث الثلاثة بردود فعل مُختلفة تراوحت بين السخرية والانتقاد أو حتى التبرير، فيما لم يُلاحظ أحد الدلالات والمؤشرات الاجتماعية التي تقف خلف هذه الأحداث.
الحقيقة أن الأحداث الثلاثة بحد ذاتها لا تُمثل هذه الدلالات والإشارات، وإنما تُخفي خلفها أزمات ومشاكل اجتماعية – اقتصادية، غضضنا عنها البصر لفترة طويلة حتى بدت تطفو على السطح ولم يعُد بالإمكان إغفالها أو التغاضي عنها.
اللافت في قضية السطو على فرع بنك محلي في منطقة عبدون، بحسب تقرير للصحفية دانا جبريل، والمنشور على مجلة حبر الإلكترونية، أن الشاب الذي قام بعملية السطو لا يحمل أي سوابق جرمية.
والأكثر أهمية في قضية هذا الشاب أنه عانى لفترة طويلة مما يعاني منه الكثير من الشباب الأردني وهو اشتغاله في العديد من الأعمال والمهن، إلا أنه لم يستطع الاستمرار في أي منها بسبب تدني الأجور وظروف العمل الصعبة.
الذي يبدو غريباً بالنسبة للأردنيين في المشهد الحاصل، أن هنالك مواطنين قادرين على اقتناء "لوحات نمر سيارات" باهظة الثمن، وبمئات آلاف الدنانير، في وقت يعاني فيه الكثير من الأردنيين من غلاء المعيشة وبطالة مرتفعة بين جيل الشباب.
ما يبدو أشد غرابةً، فيديو كان قد نُشر لرئيس الوزراء هاني المُلقي أثناء حوار له مع أحد النواب يقول فيه: "ما في أردنيين مسخمين"، و"السخام" في اللهجة الأردنية يدل على تردي الأوضاع وضنك العيش.
إذا نظرنا لكل ما سبق ذكره، فإن المشهد الأردني مليء بالتناقضات والتشويش، مواطنون يعانون من الغلاء، وآخرون ينهبون البنوك، وغيرهم يقتنون "لوحات سيارات" باهظة الثمن، ورئيس وزراء يُنكر واقع الحال.
إنكار رئيس الوزراء والمسؤولين لفقر الأردنيين وسوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية، واتخاذهم إجراءات اقتصادية تمس الفقراء، مع وجود العديد من الحلول للخروج من الأزمة بدون المس بالفقراء، من شأنها أن تزيد المشاكل الاجتماعية التي يعانيها الأردن، وزيادة التحديات الأمنية الداخلية المُتمثلة في شتى أنواع الجريمة والإرهاب.
قد يشعر صانع القرار في الأردن بسهولة اتخاذ مثل هذه الإجراءات الاقتصادية الصعبة؛ نظراً لغياب معارضة قوية وفاعلة، وهذا صحيح، قد لا تُواجه هذه القرارات بُمعارضة سياسية قوية وذات وزن، ولكنها بالتأكيد سوف تزيد من حالة التوتر والاحتقان بين المواطنين نتيجة زيادة الضغوط الاجتماعية الاقتصادية عليهم؛ وهذا بدوره ما سيؤدي إلى زيادة مُختلف أنواع الجرائم.
باعتقادي أن الحاصل في الأردن بحاجة لدراسة وفهم عميق؛ حيث إن المؤشرات هذه إن دلّت، فهي تدل على غياب للعدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الدخل والثروة بين الأردنيين، وعدم إدراك المسؤولين لما هو حاصل.
للحفاظ على الأردن ومُعالجة الوضع القائم، علينا أن نفكر في عدة قضايا، مثل: تدني الأجور، والبطالة، وشمولية التنمية، والتفاوت في الدخول والثروات، وارتفاع معدلات الجريمة، وارتفاع معدلات الفقر.
وإذا أردنا الحفاظ على أمن الأردن، باعتقادي أن على المسؤول الأمني دراسة كل هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية قبل أن يزداد الوضع سوءاً، وأن يُسدي النُصح لصانع القرار الاقتصادي بالآثار الأمنية التي من الممكن أن تترتب على القرارات التي تمس دخول الفقراء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.