حوار مع الطيب صالح

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/31 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش

(1) وُلدت في قرية تقع بين البدو والنوبيين في وادى حلفا بشمال السودان عام 1929.

تعلمت قليلاً من القرآن بكتاب القرية ومدرستها الابتدائية، ثم التحقت بمدرسة "وادي سيدنا الثانوية" على حدود الخرطوم. هذه المدرسة كانت إحدى مدرستين كبيرتين في عهد الإنكليز وكانت الأخرى تدعى "حنتوب" بالجزيرة.

(2) أنا أقول حين أسأل بأنني لم أرد أن أكون كاتباً، السبب لأننا في السودان حين دخلنا الجامعة في آخر الأربعينات كان عددنا قليلاً، وكنا نفكر في أن نتعلم أشياء مفيدة لوطننا مثل الطب والهندسة والزراعة والبيطرة.

ورغم حبي للأدب وللغتين العربية والإنكليزية فإنني شرعت في دراسة العلوم.

كنت أريد أن أدرس الزراعة؛ لأن أهلي من بيئة زراعية، وكان صعباً بالنسبة لأهلنا – وكان أغلبنا من القرى – أن نقول عندما يسألوننا ماذا تدرسون؟ إننا ندرس الأدب! مجتمعنا يعرف ولا شك قيمة الأدب، لكن كشيء إضافى! والآن وبعد أن أصبحت كاتباً ليس عندي هذا الالتزام الكامل!

(3) اشتغلت لمدة عامين بالتعليم، وقضيت فترة بمعهد "بخت الرضا" وكان معهداً مشهوراً جداً أسسه الإنكليز أيضاً، وكانت به تجارب تعليمية متقدمة، وأساتذة كبار تقلدوا مناصب كبيرة في السودان بعد الاستقلال مثل المرحوم عبدالرحمن علي طه، والمرحوم مكي عباس، والدكتور أحمد الطيب.

ثم ذهبت إلى لندن عام 1953 منتدباً من حكومة السودان لمدة خمس سنوات للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) في هذه الفترة درست العلوم السياسية في جامعة لندن، وعُدت للسودان في عهد الديمقراطية الثانية وعملت مستشاراً في وزارة الإعلام، لكنني عدت بعد عام واحد إلى هيئة الإذاعة البريطانية بلندن.

وفي عام 1974 التحقت بالعمل في حكومة قطر مديراً عاماً لوزارة الإعلام القطرية وأصدرت خلالها جريدة "الإعلام".

وفي عام 1980 التحقت بالعمل في اليونسكو في باريس وتعلمت آنذاك شيئاً من الفرنسية.

وفي عام 1985 أرسلوني للخليج كممثل لليونسكو، والآن أنا متقاعد وأقيم في لندن.

(4) بدأت أكتب في لندن، والكتابة بالنسبة لي كانت عبارة عن إقامة جسور تواصل مع العالم الذي تركته في السودان. كتابة فيها نوع من الحنين، ومن أوائل القصص التي كتبتها قصة "نخلة على الجدول" فيها هذا الإحساس بالحنين إلى أهلي في السودان.

ثم كتبت بعض القصص حتى لم أعبأ بنشرها، وفى أواخر الخمسينات كتبت قصة "دومة ود حامد" ونشرت القصة أظن عام 1960 في مجلة "أصوات" التي كان يصدرها في لندن باللغة العربية صديق إنكليزي أصبح فيما بعد المترجم لكل أعمالي هو المستشرق المعروف "جونز ديفز".

ترجم ديفز هذه القصة إلى الإنكليزية وأرسلها إلى مجلة أدبية كبيرة تصدر في لندن ولدهشته الشديدة قبلوها فوراً ونشروها.

بعد ذلك بقليل ذهبت إلى أكسفورد لزيارة أصدقائي وقابلت بعض الأساتذة الإنكليز فقال لي أحدهم: قصتك أحلى من قصة نورمان ميلر التي نُشرت في العدد نفسه. وإن ميلر يمكنه أن يتعلم منك!. قلت: سبحان الله! نورمان ميلر كان آنذاك كاتباً كبيراً بينما لا يعرفني أحد! قلت لنفسي: "والله يبدو أنني أستطيع أن أصبح كاتباً!".

وصارت الأمور بعد ذلك كما تعرف، وصدرت روايتي المعروفة "موسم الهجرة للشمال" وقد صدرت للمرة الأولى في مجلة "حوار" البيروتية عام 1966 وكان يشرف على تحريرها توفيق صايغ، وقد ساعدني على نشر "عرس الزين" أيضاً. ثم نشرت "دومة ود حامد" وثلاثية "بندر شاه" التي صدر منها قسمان: "ضوء البيت" و"مريود" وما زلت أحاول منذ عشر سنوات إنهاء الجزء الثالث ولكن شغلتني عنه مشاغل الدنيا!

(5) يقال إن الغربة عموماً لها أثر في الأدب، وأظن لو لم أغترب وأعيش في إنكلترا ما كتبت "موسم الهجرة للشمال". وهذه الرواية هي رواية غربة ومنفى. منفى بالمعنى العام؛ لأنني ذهبت باختياري، ولكن فيها أحاسيس حادة وإحساس بأن الشخصية الرئيسية في الرواية أصبح في اللامكان…عموماً لا أريد أن أستفيض في شرح ما قصدت فهذا شغل الأساتذة الكبار وما أنا إلا كاتب مسكين!

(6) تأثري بالأدب الإنكليزي لا ينكر خصوصاً الرواية الإنكليزية في القرن 19 جورج إليوت ورتشاردسون. وبالطبع كان لشكسبير تأثير كبير، خاصة مسرحيتي "الملك لير" و"ريتشارد الثالث" وكذلك تأثرت "بقلب الظلام" لكونراد، هذا إلى جانب كتاب مثل ديكنز وفولكنز، وكانت استفادتي أكثر في مجال التكنيك.

(7) لو أعدت كتابة "موسم الهجرة للشمال" فسأغيّر الكثير، فالبيئة التي عاش فيها هذا الشخص وهي بريطانيا قد تغيرت بشكل كبير، فأحداث الرواية تدور في فترة ما بين الحربين العالميتين؛ لذا نجده يردد عبارة "جرثومة العنف الأوروبي الأكبر" الآن الوضع مختلف، فهو لعب من الناحية السياسية على فكرة أنه ينتمي إلى أمة مستعمرة الآن كل الدول الإفريقية استقلت.

الآن توجد مشاكل من نوع آخر، كذلك التطور الكبير في وسائل الاتصال سيضعف ولا شك من اعتماد الرواية القوي على فكرة السحر أو الأكزوتيزم فمثل هذه الأوهام لا تباع الآن!

(8) قد تفاجأ عندما أذكر لك أن الأسماء التي تتكرر في رواياتي هي هي نفس الأسماء، لأنني ومنذ أن بدأت الكتابة أكتب عن نفس القرية "قرية ود حامد" بنفس شخصياتها وكل شخصية من هذه الشخصيات ترمز لمجموعة من الأخلاقيات.

لقد تغيرت ود حامد الآن كثيراً، حتى الراوي في "موسم الهجرة للشمال" حينما عاد للقرية عاد وخيال القرية القديمة في ذهنه، لكنه لم يجدها كما كانت، وجدها قد تغيرت.

(9) منذ مدة لم أكتب رواية لكنني لم أتوقف عن الكتابة، فأنا أكتب منذ قرابة عشر سنوات صفحة في مجلة عربية تصدر في لندن بعنوان مجلة "المجلة".

وفي هذه الصفحة مارست نوعاً من الصحافة الأدبية، كتبت عن رحلاتي في العالم واستغللت هذا الشكل للكتابة عن ثقافات وشعوب مختلفة، مثل شعوب أستراليا الأصلية، وهي شعوب لها ثقافتها الجميلة جداً.

كتبت عدة مقالات عن شاعر أموي لم يدرس بعد بصورة جيدة، وهو "ذو الرمة" وهو شاعر مهم جداً لما لديه من ملامح كثيرة للمعاصرة، مثل حبه للبيئة والطبيعة والحيوان، وكتبت عن أبي العلاء والمتنبي، وعن الشاعر السوداني الكبير "الحردلو" من أواخر القرن الماضي، كما ترجمت جزءاً كبيراً من كتاب المؤرخ الفرنسي فرناند روديل "هوية فرنسا".

وأعتقد أن في هذا إبداعاً مثل غيره. فالطاقة الإبداعية يمكن توجيهها في مسارب مختلفة، ولكنني لسبب ما توقفت قليلاً عن كتابة الرواية؛ لأن المشروع الروائي الذي أعمل فيه (الجزء الثالث من بندر شاه) تعقّد جداً والواقع كذلك، وأنا عموماً لا أؤمن بالكثرة.

صحيح أن الغزارة في الإنتاج مع الجودة شيء جميل، لكنه لا يتوفر، ثم إنني أقرأ كثيراً في التاريخ والسير وعلم الاجتماع وبقية العلوم الحديثة التي لها صلة بالأدب.. لو تمكنت فيما بقي لي من كتابة ثلاث روايات لكفاني.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد