ما هذا؟ وكيف حدث؟ ولماذا؟
من هذه؟ ولماذا أتت؟ وأين كانت؟
من صنع هذا؟ وكيف صنعه؟ ومتى ينتهي؟
إلى من تتحدثين؟ وماذا تقولين لها؟ وماذا تقول لكِ؟
إذا كان السيناريو السابق هو جزء مما تمرين به يوميًا مع أطفالك، فدعيني أخبرك عزيزتي الأم/ عزيزي الأب أن أبناءكم فضوليون …
تلك الكلمة التي يعتبرها البعض سُبّة ووصمة عار للطفل، بينما يعتبرها البعض الآخر موهبة لدى الطفل.
وما بين هذا وذاك يتحير الآباء …
هل الفضول سمة حسنة أم سيئة؟! وماذا أفعل مع ابني الفضولي؟! وكيف أتصرف معه؟!
لنعرف أولا، ما هو الفضول؟!
فحسب الدكتورة جوناثان واي هو مزيج من الذكاء، والإصرار، والنهم للإبداع. فالفضول يعني أن تتساءل حول غير المألوف.
والفضول غريزة فطرية تولد مع الإنسان وتوجد داخلنا جميعا. يتفاوت في درجاته من شخص لآخر، ويستمر أو يختفي بناءًا على طريقة تعامل الأهل مع فضول طفلهم في مرحلة الطفولة.
وهو حاجة نفسية لدى الطفل. فالأسئلة والفضول مصدرهم الحواس. الحواس تعمل، والعقل يفكر ويثير التساؤلات، ويظهر الفضول على الطفل.
أطلق (المعهد الوطني الأمريكي للبحوث) على الأطفال الذين لديهم نسبة عالية من الفضول مصطلح (وُلِدُوا ليتعلمُوا)
الفضول يحفزنا، ويدفعنا للاستكشاف والتحرك والإنجاز…
فالفضول هو أحد أقوى المحفزات الداخلية لدى الإنسان، حيث أنه ينشّط مناطق الإشباع داخل المخ.
تمامًا كما تفعل المكافآت والمحفزات الخارجية التي نثير بها حماسة الطفل لاتباع سلوك ما. غير أن الفضول هو محفز طبيعي موجود داخل الطفل دون مؤثرات خارجية.
إذن ما هي فوائد الفضول؟
1. يساعد الطفل على النمو الفكري، وتطور الذكاء الإدراكي لديه
2. يساعد على التعلم والتذكر: أثبتت دراسة أجراها علماء الأعصاب بجامعة كاليفورنيا أن هناك علاقة إيجابية بين الفضول وبين نشاط المناطق المسؤلة عن التذكر في المخ. ووجدوا أن الأشخاص الذين لديهم نسب عالية من الفضول، يحققون نتائج أعلى في التعلم وتذكر المعلومات.
حتى في الموضوعات التي لا تثير فضولهم.
فالفضول يضع العقل في حالة تسمح له بالاحتفاظ بأي نوع من المعلومات.
3. إشباع فضول الطفل هو إشباع لحاجة نفسية أساسية لديه، مما يساعد على توازن واستقرار نفسيته.
4. الفضول لديه القوة لتغيير سلوكيات الإنسان نحو الأفضل: فيمكنه توجيه صاحبه نحو اتخاذ قرارات أصح وأفضل، كما يساعده في مقاومة رغباته غير النافعة إذا أُثير في ذلك الاتجاه.
5. ذهب بعض العلماء إلى أن تدريب العقل على الفضول يقلل فرص الإصابة بمرض ألزهايمر.
يقول ألبرت أينشتاين: (أنا لا أمتلك مهارات خاصة … أنا فقط فضولي بقوة)
والآن ماذا نفعل لننمي فضول أبنائنا ونوجهه نحو العبقرية؟!
أجب عن كل سؤال يسأله الطفل. مهما كان السؤال بسيطا أو غير منطقيا من وجهة نظرك كأب/ أم.
لا تقل أن سن الطفل غير مناسب للإجابة عن سؤاله، فمادام عقل الطفل تطرق لهذا السؤال فتأكد تمامًا أن سنه يسمح باستقبال بعض المعلومات التي تخص هذا الموضوع. جاوبه على قدر سنه وبما يناسبه، ولكن لا تتجاهل سؤاله أو تتهرب منه.
الإجابة على تماديات الطفل بالأسئلة، وليس فقط السؤال الأول: فبعض الأطفال لا يكتفي بسؤال واحد، وإنما يتبعه بمجموعة من الأسئلة الأكثر تفصيلا وعمقًا. وكلما تشعبت أسئلته كلما نمى إدراكه العقلي وزاد معدل ذكاؤه.
إذا كانت أسئلة طفلك كثيرة وتتطرق لتفاصيل ليس لديك الوقت الكافي لها؛ يمكنك الاتفاق معه على تدوين تلك الأسئلة وتجميعها سويًا للإجابة عنها آخر الأسبوع.
إذا اتبعت هذه الطريقة فعليك الالتزام بوعدك معه.
دوّن أسئلته على ورقة أو على هاتفك المحمول، وجمّع الأسئلة المتشابهة أو التي تدور حول نفس الموضوع.
وخصّص جلسة مناقشة/ حوار آخر الأسبوع، يتضمنها المرح مع الكثير من المعلومات التي تفيد طفلك حول ما يسأل عنه.
5. لعبة التوقعات: أعد طرح أسئلة طفلك عليه، وشجعه على أن يأتِ بمجموعة توقعات/ أفكار لإجابة تساؤله، ثم ابحثا سويًا عن الإجابة الصحيحة.
هذا يساعد طفلك على الابداع والتفكير والتأمل. كما أنه يدربه على الاجتهاد للوصول للمعلومة وليس تلقيها فقط.
6. ساعد ابنك على الوصول لإجابات أسئلته بنفسه: علّمه كيف يستخدم محركات البحث الآمنة على شبكة الإنترنت للوصول للمعلومة. أو اصطحبه للمكتبة للبحث عن كتاب/ كتب تخص موضوع السؤال. أو الذهاب لمتخصص في المجال الذي يسأل فيه ليطرح تساؤله ويسمع منه الإجابة.
من المهم أن يتعلم الأبناء مهارات البحث عن المعلومات وتقييمها لانتقاء الصحيح منها والمناسب.
7. التجريب: إذا كان ما يسأل عنه الطفل يمكن تجربته فلا تتردد في جعل ابنك يجرب ويرى بنفسه النتائج. فهذا يطور إدراكه وينمي الخلايا العصبية في مخه، ويفتح أمامه آفاقًا أوسع من المعرفة.
8. تأجيل الإجابة عن بعض الأسئلة: فأحيانًا أنت تعرف إجابة ما يسأل عنه ابنك لكنك لا تملك الوقت أو الطاقة لمناقشته وشرحه له. أخبر ابنك أن وقتك الآن لا يسمح بالنقاش وأنك ستجيب عليه لاحقًا. على أن تعود إليه في وقت آخر ولا تنسى.
9. يمكنك دائما الاعتراف أنك لا تعرف: هذا لا ينقص منك شيئًا كأب/ أم، بل يعلّم ابنك أن علينا دائما التعلُّم مهما كبرنا. ومن الممكن أن تشتركا سويًا في البحث عن إجابة سؤاله.
حسنًا … هل يعني هذا أن كل فضول الطفل جيد وعلى الآباء أن يشجعوه؟!!!
بالطبع لا…
فالطفل في سنوات عمره المبكرة يسأل عن كل ما هو غير معروف وواضح له. وهذا يجعله مع الوقت يتدخل في خصوصيات الآخرين.
فستجد طفلك مثلا يسأل جارك الذي قابلتوه في الشارع، أين يذهب وأين كان قبل أن تقابلوه!!
وسيسأل جارتك ماذا ابتاعت من محل البقالة!!
وسيسألك أنتِ، إلى من تتحدثين على الهاتف، وماذا تقول لكِ!!
فإذا ترك الآباء مساحة الفضول مفتوحة لأطفالهم، وحرية التساؤل دون ضوابط، فإن الفضول سيتحول إلى سوء أدب.
كما أنه قد يسبب للطفل مشاكل نفسية يصعب حلها؛ مثل الرفض الاجتماعي، وتدني تقدير الذات، والطمع، وغيرهم…
وسائل ضبط فضول الطفل حتى لا يتحول إلى سوء أدب:
البحث عن الفائدة:
علّم طفلك أن يحدد هدف/ فائدة وراء تساؤله. هل الإجابة عن هذا السؤال ستزيد معلومات الطفل، أو ستعلمه مهارة ما، أو ستعرفه على ثقافة وفكر جديد…إلخ.
وإذا كان لا فائدة واضحة من وراء السؤال فتركه أولى.
الخصوصية:
من الهام جدا تعليم الطفل مفهوم الخصوصية وترسيخه لديه. فكل إنسان له مساحته الخاصة، وعلى الآخرين احترام تلك المساحة وعدم تعديها.
ويأتي هذا بالتدريب في عدة مواقف. استغل كل موقف يسبب لك إحراج كأب/ أم بسبب فضول طفلك، وعلمه ما هو خاص وعليه ألا يسأل عنه، وما هو مسموح ومفيد أن يعرفه.
انتقاء المناقشات العامة في وجود الأطفال:
فبعض الآباء يتحدثون أمام أطفالهم عن أي شيء؛ إما بدافع أن هذا شيء طبيعي، أو بدافع أن الطفل لن يفهم ما يُقال.
والحقيقة أن كلا الحالتين تولّد حالة من الفضول لدى الطفل نحو الموضوع الذي يتحدث فيه الكبار دون أن يشعر.
وينتبه عقله لأشياء لن يفيده معرفتها الآن؛ فهو لم يفكر فيها بدافع داخلي، إنما بمثير خارجي وهو حديث الأهل أمامه.
ثم ينهره أهله لاحقًا على تدخله في شؤون لا تخصه.
وفي النهاية …
الفضول ليس سمة سيئة كما اعتدنا أن نراها، بل هو سمة ذكاء وعبقرية تحتاج فقط لبعض الضوابط.
فلا تصدوا فضول أبناءكم وتقتلوه، ثم تعانون من المشاكل النفسية والفكرية والتعليمية التي تظهر لديهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.