نحن والحداثة

نعيش في زمن المدينة الواحدة، بحيث إنه يبدو لنا العالم كأنه بوتقة واحدة؛ تجتمع فيها جميع المجتمعات والشعوب، وبمختلف مستوياتهم؛ يشتركون ويتقاسمون التقاليد المحدثة والدخيلة، والأسلوب الحياتي الموحد كأنها دولة واحدة عملاقة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/28 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/28 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش

يعيش عالمنا اليوم أو في العقود الأخيرة المنصرمة، عولمةً في جميع ميادين حياتنا، وبجميع أساليبها المتعددة، وصارت تؤثر فينا بسلبياتها وإيجابياتها، ولم يسلم منها إلا القلة القليلة.

وكذلك نعيش في زمن المدينة الواحدة، بحيث إنه يبدو لنا العالم كأنه بوتقة واحدة؛ تجتمع فيها جميع المجتمعات والشعوب، وبمختلف مستوياتهم؛ يشتركون ويتقاسمون التقاليد المحدثة والدخيلة، والأسلوب الحياتي الموحد كأنها دولة واحدة عملاقة.

فترى أن النظرية أو الفكرة المستجدة في مشرق الأرض تصل إلى مغربها في غضون يوم أو أقل (مع فارق بُعد المسافات واختلاف العادات والتقاليد)، ومع دور الآلة الإعلامية البارز بمختلف أنواعه صارت استساغة ووصول الثقافات أسرع من أي وقت مضى، والإنترنت بصفة خاصة أخذ نصيبه الأوفر.

وهذا إن بدا مفيداً وأثّر في حياتنا اليومية بصورة إيجابية؛ من سهولة الاتصال الإنساني والتبادل الفكري والثقافي، إلا أنه غيَّر مجرى حياتنا الأصيلة والمتصلة إلى أصول عريقة قديمة، متوافقة مع واقع حضارتنا والبيئة التي عاشها أجدادنا ونعيشه اليوم، وعملت الفصل أو القطع الثقافي بين ماضينا عن حاضرنا، وجعلتنا قزماً ثقافياً لا يعرف أصله عن فرعه.

إنه زمن السوق الواحدة والإعلام الواحد والسياسة الواحدة، والثقافة الواحدة، حتى إنه لم تسلم أية بلاد مهما كانت حضارتها عريقة.. فبلادنا مثلاً، تعتبر من أسرع البلدان تأثراً بالحداثة الغربية أو الأجنبية عموماً، فترانا نتأثر بكل ما له علاقة بالتطور وتغيير نمط الحياة وتحسينها على حسب ما يروجه لنا الإعلام اليوم، وأصبح كل ما ينتج ويروج من نصيبنا وأصبحنا أسواقاً خصبة ونشطة للشركات العالمية التي تنتج الثقافات والمواد المستعملة، ونحن نلتهمها بدون تروٍّ وتفصّح مسبق.

وهناك ما لا يمكننا أن نتغافل عنه، هو أن الإنسان الذي يعيش مع عصره ومستجدات زمنه لا يمكنه أن ينفصل عن العصر الذي يعيشه مهما حاول وتصرّف، فهذه الثقافة الدخيلة مع كونها لا تليق بنا، ولكنها أصبحت هي السائدة بين أوساط المجتمعات ووسماً للمجتمعات المتحضرة… ولكنه مع كل ذلك لا يخلو من معايب تضعف مصداقيتها وتخلّ من شروط قبولها لدى مجتمعاتنا.

فكما كان للدول عادات وطقوس خاصة بها، كذلك فنون وهندسة معمارية تعرف بطابعها الثقافي والتاريخي، الذي يعبر عن قدم حضارتها وما قدمت للإنسانية منذ أمد مديد… فنحن في حضارتنا العريقة التي قدمناها للبشرية جمعاء هي التي كنا نستنير بها في عصور خلت، وكانت منارة يهتدي بها الباحثون عن الرقي المجتمعي، وكان الأوروبيون ومَن جاورهم يشقون السبل لكي يجدوا ضالتهم بين أوساط إماراتنا وبلادنا… وهذا كان حالنا في أزمنة خلت، ولكنها اليوم باتت حكايات المجالس ولم يبقَ منها سوى المكتوب في السطور.

واليوم نستلهم طقوساً وأسلوب حياة وحتى طريقة تفكير مستوردة من بلاد الغرب جميعه، وهذا ما تسبب لنا التبعية العقلية والفكرية، إلى أن صرنا نقلد أية تصرفات يقومون بها.

وعلى ما أعتقد، فإن شعبنا يعاني من فقدان للهوية والأصالة الوطنية، الذي من شأنه أن يفرق بين مفهوم الحداثة المعتدلة والتي تسد من حاجتنا الأساسية وبين الحداثة التي تكون على حساب ثقافتنا وتقاليدنا، إنه أمر جلل وغير يسير، حيث يراد من مثقفي المجتمع أن يعاملوا هذا الأمر على محمل الجد وتوعية الشعب، والدولة من جانبها عليها أن تجعل في عاتقها المسؤولية الوطنية في تنمية وتطوير الوعي المجتمعي حيال الحفاظ على التقاليد ومراعاتها.

وأختتم كلامي بالقول: إن الحداثة التي نبحث عنها ليست هي التي نتعامل معها اليوم، وإنما حداثة مقيدة بوازع ديني بحت؛ لأن الله قد تكفَّل لنا بجميع احتياجاتنا حتى الدنيوية منها في كتابه العزيز، وما أناره لنا حبيبنا المصطفى -صلاوات الله وسلامه عليه- وكذلك الاعتدال بين الاستفادة من جديد عصرنا وبين ما كان لدينا من تقاليد وعادات فضيلة عايشنا معها أزماناً وصارت سمةً تعرف بنا وبحضارتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد