مهما تكررت البدايات وتشابهت ملامحها فهي تحمل دائماً بين طياتها رونقاً خاصّاً، لربّما هو الأمل في قادمٍ أفضل، أو لعلّ شعور البدايات ذاته هو ما يغرينا، وإنكار الماضي وأحداثه هو هاجسنا، أو الثقة بأن العام الجديد مهما سيشهد من أحداث لن يكون أسوأ من أيّ عام مضى، وكأننا على يقين بأنّ ما شهدناه هو دائماَ الأسوأ، وأنّ الحاضر هو صفحة بيضاء سنسطر عليها ذكريات وقصصاً ذات طابع مختلف، وكأن الأحداث التي سبقت هذا العام قد مضت في طي النسيان، ولم يبق لها أي أثر.
لطالما أشفقتُ على بداية كل عام جديد بسبب ما يثقل عاتقه من أمنياتٍ جديدة وتراكمات لأمنياتٍ من أعوام مضت، أدرك تماماً أنّ ما يرهقه فعلاً هو أننا نتمنى بأنانية دون أن نوجّه هذه الأمنيات والدّعوات لمن هم في حاجة ماسّة لها، فلا تكاد أيامه الأولى تبدأ بالمضيّ قدماً وإذ به يهرم شيئاً فشيئاً، تاركاً إيانا نهرم معه ونعدّ ما تبقى له من أيام، ونتمنّى أن ينتهي سريعاً، حالةٌ تتكرر كل عام، ونصرّ على أن نحيا تفاصيلها متفاجئين، ولكنني أكاد أجزم بأن هناك أمنيات موحّدة فيما بيننا مهما غلبت الأنانيّة علينا، كأمنيات كل إنسان حرّ بأن تبقى فلسطين حرّة أبية، وأن لا تحوي عدوّاً يقبع على أراضيها المقدسة، دعوات بأن يرأف الله بحال كل طفل انتُزعت طفولته من مشاهد الحرب والألم رغماً عنه، وأن يطمس الله من ذاكرته ما شهد من معاناة تُدمي القلب، وأن تنتهي الحروب والمجاعات، وأن يردّ الله الإنسانية إلى أرواحنا، وأن يشفي الله كل من يعاني على سرير المرض.
ها نحن على وشك أن نودّع الشهر الأول من هذا العام، ولا أعتقد أن هناك أي بصيص أمل يبشّر بالخير، فها هي "عهد" أسيرة في سجون الاحتلال بسبب جريمة نشأتها ضمن عائلة حرّة رافضة للوجود الصهيوني على أرض فلسطين، وتعلّمت بأن ما يؤخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة، حالها حال آلاف الفلسطينيين الأسرى، وها هي أفواه السياسيين ما زالت تنطق بالترهات التي لم تعد لدينا القدرة للاستماع إليها، وما تبقى منا نحن العرب إن لم نكن ضمن بلد حرب أو مجاعة فنحن نخوض حرب العيش بكرامة وألم مشاهدة كل ما يجري حولنا دون القدرة على التغيير أو المساعدة الحقيقية.
أما أمنيتي لهذا العام أن يكون عاماً للإنسان، رؤوفاً بنا نحن بني البشر، عام كل من ينتمي إلى هذه الدنيا بلا تفرقة ولا تمييز، شعاره الحقّ وثقافة الاختلاف والتقبّل، يشجّع الإنسان على البقاء إنساناً دون التحوّل إلى وحشٍ ضارٍ في وجه أخيه الإنسان، يعملُ جاهداً لحثّنا على تحقيق رسالة إعمار هذه الأرض أخلاقيّاً وصحيّاً واقتصاديّاً وتكنولوجيّاً، بأن يكون خالياً من الأمراض والكوارث البشرية، وأن لا يكسر إنساناً سعى على هذه الأرض بصدق، وأن لا يخذل آخرَ علّق كل أمانيه أملاً في عام أفضل.
هذا العام مهما حمل من أحداث، فهو بالتأكيد سيسطُر بفرح ذكرى سعيدة لبعضنا وستستمرّ بمرافقته طوال حياته، وسيسطر للبعض الآخر ذكرى مؤلمة سيستذكرها ما دام يحيا على هذه الأرض، أما للكثير منّا فهي أيّام تمضي وتكاد ذكراها لا تمرّ على بال أحد منّا، وسيكون عاماً كأيّ عام مضى، فهذه هي الحياة بحلوها ومرّها، يجب أن نحياها كما أمر الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.